الآية رقم (43) - وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

﴿الغلّ﴾: هو الحقد، ويكون في الدّنيا حيث يجتهد النّاس وقد يكونون مؤمنين ويختلفون فتنشأ نتيجة هذه الخلافات والصّراعات في اجتهاداتهم الدّنيويّة بعض الأحقاد والحسد، أمّا في الجنّة فيُنزع الغلّ والحقد الّذي كان موجوداً في الدّنيا نتيجة الخلافات. واستخدم المولى سبحانه وتعالى كلمة: ﴿وَنَزَعْنَا﴾؛ لأنّها تؤخذ أخذاً.

﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾: هم في جنّةٍ ظلالها وارفةٌ، وأنهارها تجري من تحتهم.

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا﴾: حمد الله سبحانه وتعالى كان في الدّنيا عبادة تكليفٍ؛ لأنّه يجب أن تشكر المولى سبحانه وتعالى، قال جلَّ جلاله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم﴾ [إبراهيم: من الآية 7]، أمّا هنا فالحمد لله سبحانه وتعالى هو غبطةٌ وسرورٌ، فقالوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا، أي أوصلنا إلى ما أوصلنا إليه.

﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾: لا ندخل الجنّة بأعمالنا، وإنّما برحمة الله سبحانه وتعالى، وما كنّا لنهتدي لولا هداية الله سبحانه وتعالى، حتّى لا يقولنّ قائلٌ: كيف تقولون: بأنّ الهداية من نفس الإنسان؟ نقول: الهداية العامّة من الله سبحانه وتعالى، أمّا توجّه الإنسان باتّجاه الهداية فهي من نفسه، هذه هداية دلالةٍ وهداية معونةٍ حتّى دخول الجنّة فإنّما برحمة الله سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما منكم مِنْ أحدٍ يدخله عملُه الجنَّة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغَمَّدني الله منه برحمة»([1])، فإذاً مهما عملنا من أعمالٍ ومن خيراتٍ فلن نكون قد أدّينا جزءاً من حقّ ربّنا علينا، ونحن مقصّرون، لذلك يدخلنا الجنّة برحمته سبحانه وتعالى، صحيحٌ قال جلَّ جلاله ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾ [النّجم]، لكن مهما فعلت ومهما كان هذا السّعي فأنت تحتاج رحمة الله سبحانه وتعالى حتّى تدخل الجنّة، وهناك ناحيةٌ أخرى، من الّذي قال: بأنّ هذا السّعي وهذا العمل الخيّر سيكون الثّواب عليه الجنّة؟ الجواب: رحمة الله سبحانه وتعالى، فالله جلَّ جلاله لو لم يشأ أن يكون الجزاء هو الجنّة لما كان جزاء العمل الصّالح الجنّة، فهي رحمةٌ من الله سبحانه وتعالى أيضاً.

وَنَزَعْنا: فعل ماض وفاعله.

ما: اسم موصول في محل نصب مفعول به

فِي صُدُورِهِمْ: متعلقان بمحذوف صلة الموصول.

مِنْ غِلٍّ: متعلقان بمحذوف حال. والجملة معطوفة.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ: فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور والأنهار فاعله والجملة في محل نصب حال.

وَقالُوا: الجملة معطوفة

الْحَمْدُ: مبتدأ.

لِلَّهِ: متعلقان بمحذوف خبره والجملة مقول القول.

الَّذِي: اسم موصول في محل جر صفة.

هَدانا: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وفاعله هو ونا مفعوله

لِهذا: متعلقان بهدانا.

وَما: ما نافية والواو استئنافية.

كُنَّا: كان ونا اسمها.

لِنَهْتَدِيَ: اللام: لام الجحود

نهتدي: منصوب بأن المضمرة بعد لام الجحود، والمصدر المؤول من أن والفعل بعدها في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر وما كنا ميسرين للاهتداء والجملة مستأنفة.

لَوْلا: حرف شرط غير جازم.

أَنْ: حرف مصدري ونصب.

هَدانَا اللَّهُ: فعل ماض ومفعوله ولفظ الجلالة فاعله والمصدر المؤول من أن والفعل في محل رفع مبتدأ والخبر محذوف بعد لولا لولا هداية الله موجودة …

لَقَدْ: اللام واقعة في جواب القسم. قد حرف تحقيق

جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا: فعل ماض وفاعله ومضاف إليه

بِالْحَقِّ: متعلقان بمحذوف حال والجملة لا محل لها جواب القسم المقدر.

وَنُودُوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم والواو نائب فاعل

أَنْ: مفسرة أو مخففة من أن.

تِلْكُمُ: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. واللام للبعد والكاف حرف خطاب والميم للجمع.

الْجَنَّةُ: بدل أو خبر

وجملة (أُورِثْتُمُوها): في محل نصب حال فإن أعربت الجنة بدلا فجملة (أورثتموها): خبر المبتدأ

أُورِثْتُمُوها: فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء نائب فاعل، والميم علامة جمع الذكور، والواو لإشباع الضمة، وها مفعول به.

بِما: ما موصولة ومتعلقان بالفعل

كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: كان والتاء اسمها والجملة خبرها.

وَنَزَعْنا: قلعنا.

غِلٍّ: حقد أو حسد وعداوة كان بينهم في الدنيا.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ: تحت قصورهم.

وَقالُوا: عند الاستقرار في منازلهم.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا: لِهذا أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم، وهو الإيمان والعمل الصالح.

وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ: اللام لتوكيد النفي، يعنون: وما كان يستقيم أن نكون مهتدين، لولا هداية الله وتوفيقه.

لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ: فكان لنا لطفًا وتنبيهاً على الاهتداء، فاهتدينا، يقولون ذلك سروراً واغتباطًا بما نالوا وتلذذًا بالتكلم به، لا تقربًا وتعبدًا.

أُورِثْتُمُوها: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله.