﴿الغلّ﴾: هو الحقد، ويكون في الدّنيا حيث يجتهد النّاس وقد يكونون مؤمنين ويختلفون فتنشأ نتيجة هذه الخلافات والصّراعات في اجتهاداتهم الدّنيويّة بعض الأحقاد والحسد، أمّا في الجنّة فيُنزع الغلّ والحقد الّذي كان موجوداً في الدّنيا نتيجة الخلافات. واستخدم المولى سبحانه وتعالى كلمة: ﴿وَنَزَعْنَا﴾؛ لأنّها تؤخذ أخذاً.
﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾: هم في جنّةٍ ظلالها وارفةٌ، وأنهارها تجري من تحتهم.
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا﴾: حمد الله سبحانه وتعالى كان في الدّنيا عبادة تكليفٍ؛ لأنّه يجب أن تشكر المولى سبحانه وتعالى، قال جلَّ جلاله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم﴾ [إبراهيم: من الآية 7]، أمّا هنا فالحمد لله سبحانه وتعالى هو غبطةٌ وسرورٌ، فقالوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا، أي أوصلنا إلى ما أوصلنا إليه.
﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾: لا ندخل الجنّة بأعمالنا، وإنّما برحمة الله سبحانه وتعالى، وما كنّا لنهتدي لولا هداية الله سبحانه وتعالى، حتّى لا يقولنّ قائلٌ: كيف تقولون: بأنّ الهداية من نفس الإنسان؟ نقول: الهداية العامّة من الله سبحانه وتعالى، أمّا توجّه الإنسان باتّجاه الهداية فهي من نفسه، هذه هداية دلالةٍ وهداية معونةٍ حتّى دخول الجنّة فإنّما برحمة الله سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما منكم مِنْ أحدٍ يدخله عملُه الجنَّة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغَمَّدني الله منه برحمة»([1])، فإذاً مهما عملنا من أعمالٍ ومن خيراتٍ فلن نكون قد أدّينا جزءاً من حقّ ربّنا علينا، ونحن مقصّرون، لذلك يدخلنا الجنّة برحمته سبحانه وتعالى، صحيحٌ قال جلَّ جلاله ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾ [النّجم]، لكن مهما فعلت ومهما كان هذا السّعي فأنت تحتاج رحمة الله سبحانه وتعالى حتّى تدخل الجنّة، وهناك ناحيةٌ أخرى، من الّذي قال: بأنّ هذا السّعي وهذا العمل الخيّر سيكون الثّواب عليه الجنّة؟ الجواب: رحمة الله سبحانه وتعالى، فالله جلَّ جلاله لو لم يشأ أن يكون الجزاء هو الجنّة لما كان جزاء العمل الصّالح الجنّة، فهي رحمةٌ من الله سبحانه وتعالى أيضاً.