(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ): من النّاس من يشري، هناك فارق بين يشري ويشتري في اللغة العربيّة، فيشري: تأتي بمعنى يشتري وقد تأتي بمعنى يبيع، أمّا يشتري فلها فقط معنى يشتري، قال سبحانه وتعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف]، فمن الممكن أن يكون شرى بمعنى باع.
(وَمِنَ النَّاسِ): أي بعض النّاس.
(مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ): أي يبيع نفسه يفقدها بمقابل، والمقابل هو مرضاة الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التّوبة]، لذلك نجد الشّهداء هم الّذين باعوا أنفسهم في سبيل مرضاةِ الله، (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران].
(وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ): كلمة رؤوف تُعطي معنى أدقّ، ورحيم تُعطي معنى أوسع وأشمل، والله سبحانه وتعالى رؤوف بالعباد: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: من الآية 286]؛ لذلك من رحمته سبحانه وتعالى ومن رأفته ومن عطاءه لخلقه بأنّه وهب هذه المنزلة العالية للشّهداء الأبرار، وأن يتجاوزوا مرحلة البرزخ بعد استشهادهم ويكونوا عند الله سبحانه وتعالى لذلك قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) [البقرة]، أنتم لا تشعرون بحقيقة هذه الحياة.