الآية رقم (114) - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

الجواب: لا أحد أظلم، وهذا استفهام استنكاريّ، والمساجد هي بيوت الله، وقد قال سبحانه وتعالى في بعض الكتب: «إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زواري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي، فحقّ على المزور أن يُكرم زائره»([1])، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»([2])، فالمسلم إذا أدركته الصّلاة يمكن أن يصلّيَ في أيّ مكان، أمّا المسجد فهو المكان الّذي حُدِّد في قطعة من الأرض تعارف عليه النّاس ليجعلوه بيتاً للصّلاة فيه، وذلك باختيارهم، والبيت الّذي اختار الله تعالى مكانه هو المسجد الحرام، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ [آل عمران]، فالله وضعه للنّاس ولم يضعه النّاس.

ودور المساجد الّتي حدّدها المسلمون لكي تكون بيوتاً لعبادة الله هو أن تصدّر أنوار الله سبحانه وتعالىإلى النّاس، وقد قال سبحانه وتعالى في سورة (النّور): ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النّور: 36]، وهي أماكن السّجود، والسّجود هو أشرف وقت يستجاب فيه الدّعاء؛ لأنّ العبد أقرب ما يكون من ربّه وهو ساجد. وسمّيت بالمساجد؛ لأنّ النّاس يسجدون فيها لله، ولا يُمارس في المسجد عملٌ إلّا لله، وقد قال جلَّ جلاله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجنّ]، وتخريب المساجد لا يكون فقط بتخريب العمران والبنيان، بل يكون بتخريب الإنسان، مثل مسجد الضّرار الّذي أسّسه المنافقون في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم للإضرار بالمسلمين فأمر صلَّى الله عليه وسلَّم بهدمه. وقد يأتي في عصرنا من يستغلّ المسجد للدّعوة إلى القتل والتّخريب، وهؤلاء هم الّذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه جلَّ جلاله ولا أظلم منهم ولا من عملهم؛ لأنّهم سعوا إلى خراب المساجد وعطّلوا دور الخير والنّور فيها، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم  «من سمع رجلاً ينشد ضالّة في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك، فإنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا»([3])، مهما كانت الضّالّة والمطلب، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [التّوبة: من الآية 18]، والمقصود عمارة الإنسان وهو أسمى رسالةٍ للمسجد، وهي رسالة الخير للغير ورسالة العطاء والنّور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) فيض القدير: حرف الهمزة، الحديث رقم (2258).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب التّيمم، الحديث رقم (328).
([3]) صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصّلاة، باب النّهي عن نشد الضّالّة في المسجد وما يقوله من سمع النّاشد، الحديث رقم (568).

وَمَنْ: الواو استئنافية، من اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ.

أَظْلَمُ: خبر والجملة استئنافية.

مِمَّنْ: من حرف جر، من اسم موصول في محل جر بمن والجار والمجرور متعلقان بأظلم.

مَنَعَ: فعل ماض والفاعل هو والجملة صلة الموصول.

مَساجِدَ: مفعول به.

اللَّهِ: لفظ الجلالة مضاف إليه.

أَنْ: حرف ناصب.

يُذْكَرَ: مضارع مبني للمجهول منصوب وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثان لمنع وأعرب مفعولا لأجله أي

كراهة أن يذكر فيها اسمه.

فِيهَا: متعلقان بيذكر.

اسْمُهُ: نائب فاعل للفعل المبني للمجهول يذكر.

وَسَعى: الواو عاطفة سعى فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل هو يعود على من.

فِي خَرابِها: متعلقان بالفعل قبلهما.

أُولئِكَ: اسم إشارة مبني على الكسرة في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب.

ما كانَ: ما نافية، كان فعل ماض ناقص.

لَهُمْ: متعلقان بمحذوف خبر.

أَنْ: حرف ناصب.

يَدْخُلُوها: مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل رفع اسم كان.

إِلَّا: أداة حصر.

خائِفِينَ: حال منصوبة بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

(ما كان لهم): في محل رفع خبر أولئك.. وجملة أولئك الاسمية مستأنفة.

لَهُمْ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

فِي الدُّنْيا: متعلقان بمحذوف خبر أيضاً.

خِزْيٌ: مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.

وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ: مثل لهم في الدنيا خزي معطوف على سابقة.

عَظِيمٌ: صفة.

وَمَنْ أَظْلَمُ: استفهام إنكاري ويفيد النفي.

الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.

المسجد: موضع العبادة لله تعالى.

وَسَعى فِي خَرابِها: تخريبها وهدمها وتعطيلها، نزلت إخبارًا عن الروم الذين خربوا بيت المقدس، أو في المشركين لما صدوا النبي

صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية عن البيت.

أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ: خبر بمعنى الأمر، أي أخيفوهم بالجهاد، فلا يدخلها أحد آمنًا.

خِزْيٌ: ذلّ وهوان بالقتل والسبي وفرض الجزية.

عَذابٌ عَظِيمٌ: هو النار.