الجواب: لا أحد أظلم، وهذا استفهام استنكاريّ، والمساجد هي بيوت الله، وقد قال سبحانه وتعالى في بعض الكتب: «إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زواري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي، فحقّ على المزور أن يُكرم زائره»([1])، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»([2])، فالمسلم إذا أدركته الصّلاة يمكن أن يصلّيَ في أيّ مكان، أمّا المسجد فهو المكان الّذي حُدِّد في قطعة من الأرض تعارف عليه النّاس ليجعلوه بيتاً للصّلاة فيه، وذلك باختيارهم، والبيت الّذي اختار الله تعالى مكانه هو المسجد الحرام، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران]، فالله وضعه للنّاس ولم يضعه النّاس.
ودور المساجد الّتي حدّدها المسلمون لكي تكون بيوتاً لعبادة الله هو أن تصدّر أنوار الله سبحانه وتعالىإلى النّاس، وقد قال سبحانه وتعالى في سورة (النّور): ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النّور: 36]، وهي أماكن السّجود، والسّجود هو أشرف وقت يستجاب فيه الدّعاء؛ لأنّ العبد أقرب ما يكون من ربّه وهو ساجد. وسمّيت بالمساجد؛ لأنّ النّاس يسجدون فيها لله، ولا يُمارس في المسجد عملٌ إلّا لله، وقد قال جلَّ جلاله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجنّ]، وتخريب المساجد لا يكون فقط بتخريب العمران والبنيان، بل يكون بتخريب الإنسان، مثل مسجد الضّرار الّذي أسّسه المنافقون في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم للإضرار بالمسلمين فأمر صلَّى الله عليه وسلَّم بهدمه. وقد يأتي في عصرنا من يستغلّ المسجد للدّعوة إلى القتل والتّخريب، وهؤلاء هم الّذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه جلَّ جلاله ولا أظلم منهم ولا من عملهم؛ لأنّهم سعوا إلى خراب المساجد وعطّلوا دور الخير والنّور فيها، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم «من سمع رجلاً ينشد ضالّة في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك، فإنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا»([3])، مهما كانت الضّالّة والمطلب، وقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [التّوبة: من الآية 18]، والمقصود عمارة الإنسان وهو أسمى رسالةٍ للمسجد، وهي رسالة الخير للغير ورسالة العطاء والنّور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ