هذه الآية جاءت عقب آيات المتخلّفين عن غزوة تبوك مع رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، لكن يبقى أمرٌ آخر هو ضرورة وجود من يحملون العلم بالإسلام، فإذا كان هناك من يضحّي بنفسه وينفق من ماله -وهذا دليل صدقٍ- فهذا لا يعني أبداً الاستغناء عن العلم وعن هؤلاء الّذين عليهم أن يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يوحي به الله سبحانه وتعالى، فهناك منهجٌ من الله U وهناك استقبالٌ لهذا المنهج من رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلاً، ومن السّامعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثانياً؛ ليسيحوا به في البلاد، فكيف دخل الإسلام إلى شرق آسيا وإلى العالم كلّه؟! لقد كان ذلك من خلال أخلاقهم وتعاليم دينهم الّذي ينشر الفضائل والاستقامة.
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾: هو جحودٌ لهذه المسألة؛ أي ما كان يصحّ أن ينفر المسلمون﴿ كَافَّةً﴾ ؛ أي جميعاً دون أن يبقى منهم أحدٌ من أجل العلم، فالعلم هو أساسٌ، ولذلك أوّل ما نزل من القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ]العلق[.
﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾: لا يكفي أن يذهب النّاس إلى الجهاد فقط، بل لا بدّ أن يبقى بعضٌ منهم ليستمعوا إلى الوحي ويتفقّهوا، والرّسول الكريم كان في كثيرٍ من الغزوات والمعارك يبقى في المدينة.
﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾: يتعلّمون أحكام الدّين والأخلاق والاستقامة؛ لتكون إنذاراً للنّاس من ارتكاب المعاصي، فارتكاب المعاصي والمحرّمات هو إضرارٌ بالمجتمعات، فإذا تعلّم النّاس الاستقامة والأخلاق والإيمان والدّين، وتعلّموا عدم الكذب وعدم الغيبة وعدم السّرقة وعدم شرب الخمر وعدم لعب القمار وعدم السّطو وعدم الرّشوة… فسيصلح المجتمع، فالتّفقّه وفهم الدّين الحقيقيّ هو لمصلحة المجتمع، وليس كما حوّله الإرهابيّون والتّكفيريّون إلى أداةٍ لقتل النّاس وتشويه هذا الإسلام العظيم، فالدّين وتعاليمه والفقه فيه يجب أن يكون أساساً للسّير فيما يرضي الله سبحانه وتعالى ويحقّق الخير للبشريّة جمعاء، فالتّفقّه هو سبب النّفرة، مثلما نبعث في أيّامنا بعثةً إلى أيّ بلدٍ متقدّمٍ لنأخذ بعلوم الحضارة.
وكلمة (الفقه) في اللّغة: تعني الفهم، أمّا اصطلاحاً: فتعني فهم أحكام الدّين الإسلاميّ الّذي يحدّد الصّواب والخطأ.
﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾: أي يتجنّبون ما يضرّهم.