﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾: وقد جاءت آيةٌ في سورة (البقرة) مشابهةٌ لهذه الآية، وإن اختلف الأسلوب، وهي قوله سبحانه وتعالى:
﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ]البقرة[، الّذين يقرؤون القرآن الكريم بسطحيّةٍ وعدم تعمّقٍ قد لا يلتفتون إلى الآيات الّتي تتشابه بالمعنى العامّ، هذه الآيات توازن بين المعاني فلا تضارب بينها على الإطلاق، والاختلاف الّذي حدث بين النّاس جاء في آية البقرة في المؤخّرة، بينما الاختلاف في هذه الآية جاء في المقدّمة، وهذا دليلٌ على أنّ النّاس كانوا أمّةً واحدةً على الإيمان، فآدم عليه السلام كان على الإيمان، وليس هناك أناسٌ أولى من أناسٍ عند الخالق سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى عندما أنزل آدم عليه السلام إلى الأرض أنزل معه المنهاج (افعل) و(لا تفعل)، وأنزل معه الهداية، وبعد مرور مرحلةٍ من الزّمن اختلفوا على هذه الهداية، فلا بدّ أن ينزل إليهم رسولٌ يذكّرهم.
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾: أمر الله سبحانه وتعالى وقضاؤه سبق بأن هؤلاء النّاس الّذين اختلفوا وجحدوا لو شاء الله سبحانه وتعالى لأهلكهم، ولكنّ مشيئته جل جلاله بأن يبعث الرّسل والرّسالات لتذكّر النّاس بعهد الفطرة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ ]الأعراف[، فكلّ إنسانٍ يولد على الفطرة، وهذه الفطرة أوّلاً هي الإيمان الّذي سبق، ثانياً إنّ آدم عليه السلام أوّل إنسانٍ نزل إلى الأرض، كان مؤمناً ولديه المنهج، فكان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون للإنسان مشيئةٌ يختار بها بين الخير والشّرّ.