﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾: قرون: جمع قرنٍ، والقرن يأتي من المقارنة، وقد يكون القرن لشيءٍ اشترك فيه النّاس جميعاً، يُقال مثلاً: قرن الزّلازل؛ لوجود زلازل فيه، أو حدثٍ معيّنٍ عمّ النّاس جميعاً، وحسب المدّة الزّمنيّة فالقرن هو مئة عامٍ.
﴿ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾: الإهلاك لا يكون إلّا عند الظّلم، ومعناه: نقل الحقّ من صاحبه إلى غيره، وخلق السّماوات والأرض قام على العدل وليس على الظّلم، والعدل هو الأساس، لذلك عندما يعمّ الظّلم يكون الإهلاك، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) ﴾ ]الرّحمن[، وقال عز وجلﱢ: ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) ﴾ ]النّساء[.
﴿ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾: الحجّة هي الكتب السّماويّة الّتي جاءتهم، والمعجزات الّتي بيّنها الرّسل الكرام، وأثبتوا فيها صدق البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، لكنّ المولى سبحانه وتعالى يعلم ما سيقوم به النّاس، ويعلم أحوالهم.
﴿ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾: فسبق في علم الله سبحانه وتعالى، لكن قد يقول قائلٌ: ما ذنبهم؟ والجواب: هذا علم الله جل جلاله الكاشف، نضرب مثلاً من باب التّقريب إلى الأذهان، أبٌ وأمٌّ أرادا الخروج من البيت وتركا أولادهما فقالا لهم: تركنا في الثّلاجة اللّبن والزّيتون وصحناً فيه دجاجٌ مع الأرز فكلوا ما شئتم، وأثناء خروجهما تحدّثا إلى بعضهما أنّهما يعلمان أنّ الأولاد لن يأكلوا الدّجاج والأرز؛ لأنّه يحتاج إلى تسخينٍ، بل سيستسهلون أكل اللّبن والزّيتون، فهما يعرفان مسبقاً ما سيختارونه، ولكنّهما تركا لهم الخيار، ولله المثل الأعلى، فالمولى سبحانه وتعالى عندما قال: ﴿ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾ فهو جل جلاله بعلمه الكاشف يعلم بأنّهم لن يؤمنوا.
﴿كَذَلِكَ ﴾: مثل حال هؤلاء الّذين أهلكناهم.
﴿نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾: هم الّذين أجرموا بحقّ الآخرين، وأجرموا بظلمهم لأنفسهم؛ لأنّ الشّرك ظلمٌ عظيمٌ.