الآية رقم (13) - وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ

﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾: قرون: جمع قرنٍ، والقرن يأتي من المقارنة، وقد يكون القرن لشيءٍ اشترك فيه النّاس جميعاً، يُقال مثلاً: قرن الزّلازل؛ لوجود زلازل فيه، أو حدثٍ معيّنٍ عمّ النّاس جميعاً، وحسب المدّة الزّمنيّة فالقرن هو مئة عامٍ.

﴿ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾: الإهلاك لا يكون إلّا عند الظّلم، ومعناه: نقل الحقّ من صاحبه إلى غيره، وخلق السّماوات والأرض قام على العدل وليس على الظّلم، والعدل هو الأساس، لذلك عندما يعمّ الظّلم يكون الإهلاك، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) ﴾  ]الرّحمن[، وقال عز وجل: ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) ﴾ ]النّساء[.

﴿ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾: الحجّة هي الكتب السّماويّة الّتي جاءتهم، والمعجزات الّتي بيّنها الرّسل الكرام، وأثبتوا فيها صدق البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، لكنّ المولى سبحانه وتعالى يعلم ما سيقوم به النّاس، ويعلم أحوالهم.

 ﴿ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾: فسبق في علم الله سبحانه وتعالى، لكن قد يقول قائلٌ: ما ذنبهم؟ والجواب: هذا علم الله جل جلاله الكاشف، نضرب مثلاً من باب التّقريب إلى الأذهان، أبٌ وأمٌّ أرادا الخروج من البيت وتركا أولادهما فقالا لهم: تركنا في الثّلاجة اللّبن والزّيتون وصحناً فيه دجاجٌ مع الأرز فكلوا ما شئتم، وأثناء خروجهما تحدّثا إلى بعضهما أنّهما يعلمان أنّ الأولاد لن يأكلوا الدّجاج والأرز؛ لأنّه يحتاج إلى تسخينٍ، بل سيستسهلون أكل اللّبن والزّيتون، فهما يعرفان مسبقاً ما سيختارونه، ولكنّهما تركا لهم الخيار، ولله المثل الأعلى، فالمولى سبحانه وتعالى  عندما قال: ﴿ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾ فهو جل جلاله بعلمه الكاشف يعلم بأنّهم لن يؤمنوا.

 ﴿كَذَلِكَ ﴾: مثل حال هؤلاء الّذين أهلكناهم.

﴿نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾: هم الّذين أجرموا بحقّ الآخرين، وأجرموا بظلمهم لأنفسهم؛ لأنّ الشّرك ظلمٌ عظيمٌ.

«وَلَقَدْ»: الواو استئنافية واللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق.

«أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ»: ماض وفاعله ومفعوله والجملة لا محل لها لأنها جواب قسم.

«مِنْ قَبْلِكُمْ»: متعلقان بأهلكنا والكاف مضاف إليه.

«لَمَّا»: الحينية ظرف زمان.

«ظَلَمُوا»: ماض وفاعله والجملة مضاف إليه.

«وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ»: ماض والهاء مفعوله المقدم ورسلهم فاعله المؤخر والهاء مضاف إليه والجملة معطوفة.

«بِالْبَيِّناتِ»: متعلقان بجاءتهم.

«وَما»: الواو عاطفة وما نافية.

«كانُوا»: كان واسمها.

«لِيُؤْمِنُوا»: اللام لام الجحود ومضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود والواو فاعل واللام وما بعدها متعلقان بمحذوف خبر كان.

«كَذلِكَ»: الكاف حرف جر واسم الإشارة في محل جر ومتعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف واللام للبعد والكاف للخطاب.

«نَجْزِي»: مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل مستتر.

«الْقَوْمَ»: مفعول به.

«الْمُجْرِمِينَ»: صفة والجملة مستأنفة.

الْقُرُونَ: الأمم، جمع قرن: وهم القوم المقترنون في زمان واحد.

مِنْ قَبْلِكُمْ :يا أهل مكة وأمثالكم.

لَمَّا ظَلَمُوا :بالشرك والتكذيب.

بِالْبَيِّناتِ: الدلالات الواضحات الدالة على صدقهم.

كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء: وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم.

نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ: الكافرين.