الآية رقم (85) - وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

(وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا): قد يقول قائلٌ: إنّ هذه الآية قد وردت تقريباً حرفيّاً في آيةٍ سابقة من هذه السّورة فلماذا هذا التّكرار؟ نقول: نعم قد وردت، ولكن هذه لها معنىً، والآية الأخرى لها معنىً آخر، الآية الأولى: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ، أمّا الآية هنا: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، أوّل اختلافٍ نجده في بداية الآيتين، ففي الآية الأولى: (فَلا تُعْجِبْكَ)، والثّانية: (وَلَا تُعْجِبْكَ)، الفارق أنّه في الآية الأولى جاء الحقّ تعالى بالفاء، والفاء تقتضي التّرتيب، إذاً الآية مترتّبةٌ على ما قبلها من آياتٍ، وهي قول الحق سبحانه وتعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)، كأنّ هذه حيثيّات كفرهم، فهم لا يصلّون إلّا نفاقاً، ولا ينفقون مالاً في سبيل الله سبحانه وتعالى إلّا وهم مكرهون على ذلك، المتعة في المال أن تنفقه فيما تحبّ، فإذا أحببت طعاماً اشتريت، وإذا أحببت ثوباً ابتعت، وهذا يمنحك شعوراً بالسّعادة، والمؤمن عندما ينفق ماله بصدقةٍ أو زكاةٍ فهو يفعل ذلك إيماناً منه بأنّ الله سبحانه وتعالى سيعطيه أضعافاً مضاعفةً من الأجر في الدّنيا والآخرة، ويكون فرحاً بذلك؛ لأنّه عمل في دنياه لآخرته، أمّا المنافق الّذي يضمر الكفر في قلبه فهو لا يؤمن بالآخرة ولا يعرف البركة في الرّزق، فكأنّه أنفق ماله من غير أن يحصل على شيءٍ، لذلك يكون مُكرهاً، فالمسألة في نظره خسارةٌ في المال، وإن أنفق الإنسان وهو كارهٌ فسيشعر بغصّةٍ وتعبٍ، لماذا ينفقه وهو لا يؤمن أصلاً بالآخرة ولا بجزاءٍ؟! فيريد المولى سبحانه وتعالى أن ينبّهنا إلى أنّ رزقه لهؤلاء النّاس هو سببٌ في شقائهم وإذلالهم في الدّنيا، فيجعلهم يجمعون المال بعملٍ وتعبٍ ثمّ ينفقونه بلا ثوابٍ، وأحدهم يذهب إلى الحرب مع رسول الله نفاقاً فينفق على الرّاحلة والسّلاح ولا يأخذ ثواباً، ويربّي أولاده ويكون ذلك وبالاً عليه، فإيّاك أيّها المؤمن أن تعجبك هذه الأموال.

(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ): لأنّهم في الأصل أبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان بالله I.

هذه الآية تشبه الآية 55 التي تقدم إعرابها.

وَتَزْهَقَ: تخرج.