الملكوت صيغة مبالغةٍ للمُلك، مثل رحموت صيغة مبالغةٍ من الرّحمة، الـمُلك دائماً يتعلّق بالأشياء الظّاهرة الّتي لا تغيب عنك، أمّا الملكوت فهو عالم الغيب، فعندما قال سيّدنا إبراهيم عليه السَّلام لقومه وأبيه آزر: إنّكم تضلّون الطّريق في الغاية الموصلة، أراه الله سبحانه وتعالى وأطلعه على ملكوت السّماوات والأرض، أي ما يتعلّق بعالم ما وراء الأسباب، وقد تعرّض سيّدنا إبراهيم للكثير من الابتلاءات، ولكنّه كان يؤمن إيماناً مطلقاً بعالم ما وراء الأسباب، فعندما أُلقي في نيران النّمرود اعترضه جبريل عليه السَّلام: “هل لك من حاجةٍ يا إبراهيم؟”، فقال له: “أمّا لك فلا، وأمّا إلى ربّي فعلمه بحالي يكفي عن سؤالي”، فجعل الله سبحانه وتعالى النّار برداً وسلاماً عليه.
الملكوت كما ذكرنا هو العالم الغائب عنّا، والله سبحانه وتعالى يدلّ بالشّيء الظّاهر على الشّيء الغائب، فعندما يتحدّث عن الموت، وهو شيءٌ غائب، يضرب المثال بالنّوم: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزّمر]، ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: «والله لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعملون، وإنها الجنّة أبداً أو النّار أبداً»([1]). دائماً عالم الملكوت يُقَرَّب بما هو في عالم الـمُلك.