والآن داخل القصر الفرعونيّ نجد فرعون صاحب القوّة والعظمة ومُدّعي الرّبوبيّة والألوهيّة وسط حرسه وجنوده وعليّة قومه، وها هو موسى عليه السّلام يدخل مع أخيه هارون إلى ذلك القصر ويبدأ الحديث مباشرةً: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، هنا نلحظ أنّه بدأ مباشرةً بمخاطبة فرعون من غير هيبةٍ من الجوّ المرعب الّذي يوجد فيه فرعون والملأ، فقال: ﴿يَا فِرْعَوْنُ﴾ وفرعون هو اسمٌ لحاكم مصر في تلك المرحلة الزّمنيّة الّتي مرّت، وفرعون يجلس ويستمع إلى قول موسى وهو يقول: ﴿إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، إذاً أوّل نقضٍ لربوبيّته قبل أن يتحدّث معه عن بني إسرائيل وأنّه يريد أن يخلّصهم، نقض ما يقوله فرعون: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾ [النّازعات: من الآية 24]، من أين أتت هذه الجرأة لموسى عليه السّلام؟ هذه الجرأة أتت في آياتٍ أخرى ستمرّ بنا عندما قال سبحانه وتعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه]، فإذاً موسى وهارون هنا خاطباه بكلّ جرأةٍ وشجاعةٍ؛ لأنّ المولى سبحانه وتعالى أعدّهما لهذا الموقف المهيب والعظيم.
﴿إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: لم يقل: رسول ربّ العالمين، وإنّما من ربّ العالمين، عندما تقول: أنا أتيت من عند فلان، وكأنّ قوّة فلان كلّها معك، كما أنّه نقض نظريّة الرّبوبيّة بالنّسبة لفرعون.