﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾: بعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى بأنّه سيحشر النّاس جميعاً وسيحاسبهم وستنشر الصّحائف، فإنّه يطمئن النّاس بأنّه غنيٌّ عن عبادتهم، وأنّه رحيمٌ بهم.
﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ﴾: فأنتم لا تستطيعون أن تعجزوا الله سبحانه وتعالى هرباً، ولن تستطيعوا أن تخرجوا من سلطانه جلّ وعلا: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [النّحل]، فمن أراد أن يعصيه جلّ وعلا فليختر كوناً آخر لا يخضع لسلطانه، فكلّ ما يخضع لسلطانه تحت مشيئته عزَّ وجلّ، فإن يشأ المولى يذهبكم، والله سبحانه وتعالى هو الّذي أسدل للنّاس حبال الاختيار؛ لأنّه يريد قلوباً ولا يريد قوالباً، ولو أراد قوالباً لما عجز سبحانه وتعالى عن ذلك، ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصّلت]، فلو أراد الله سبحانه وتعالى لجعل النّاس كلّهم مؤمنين: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس]، وهذا دليلٌ على أنّ الإسلام لم ينتشر بالقوّة ولا بالخُطَب الرّنّانة، وإنّما انتشر بالأخلاق العالية، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»([1])، ولذلك نجد بأنّ الإسلام ربط الشّعائر بالمقاصد