الآية رقم (133) - وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ

﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾: بعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى بأنّه سيحشر النّاس جميعاً وسيحاسبهم وستنشر الصّحائف، فإنّه يطمئن النّاس بأنّه غنيٌّ عن عبادتهم، وأنّه رحيمٌ بهم.

﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ﴾: فأنتم لا تستطيعون أن تعجزوا الله سبحانه وتعالى هرباً، ولن تستطيعوا أن تخرجوا من سلطانه جلّ وعلا: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [النّحل]، فمن أراد أن يعصيه جلّ وعلا فليختر كوناً آخر لا يخضع لسلطانه، فكلّ ما يخضع لسلطانه تحت مشيئته عزَّ وجلّ، فإن يشأ المولى يذهبكم، والله سبحانه وتعالى هو الّذي أسدل للنّاس حبال الاختيار؛ لأنّه يريد قلوباً ولا يريد قوالباً، ولو أراد قوالباً لما عجز سبحانه وتعالى عن ذلك، ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصّلت]، فلو أراد الله سبحانه وتعالى لجعل النّاس كلّهم مؤمنين: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس]، وهذا دليلٌ على أنّ الإسلام لم ينتشر بالقوّة ولا بالخُطَب الرّنّانة، وإنّما انتشر بالأخلاق العالية، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»([1])، ولذلك نجد بأنّ الإسلام ربط الشّعائر بالمقاصد

وَرَبُّكَ: الواو استئنافية، ربك مبتدأ.

الْغَنِيُّ: صفة أولى.

ذُو: صفة ثانية مرفوعة بالواو لأنها من الأسماء الخمسة.

الرَّحْمَةِ: مضاف إليه.

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ: إن حرف شرط جازم ويشأ فعل الشرط ويذهبكم جوابه والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون الغني خبر أول. ذو خبر ثان والجملة خبر ثالث.

وَيَسْتَخْلِفْ: الجملة معطوفة

مِنْ بَعْدِكُمْ: متعلقان بالفعل قبلهما «ما يَشاءُ» ما اسم موصول في محل نصب مفعول به والجملة معطوفة وجملة يشاء صلة الموصول لا محل لها.

كَما أَنْشَأَكُمْ: الكاف حرف جر. ما مصدرية والمصدر المؤول من ما والفعل بعدها في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لمصدر محذوف.

مِنْ ذُرِّيَّةِ: متعلقان بالفعل

قَوْمٍ: مضاف إليهآخَرِينَ: صفة مجرورة بالياء لأنها جمع مذكر سالم.

يُذْهِبْكُمْ: يهلككم يا أهل مكة

وَيَسْتَخْلِفْ: أي ينشئ الخلف وهو الذرية والنسل

كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ: أذهبهم ولكنه أبقاكم رحمة لكم، وقوله مِنْ ذُرِّيَّةِ أي من نسل قوم