﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾: السّابقون هم الّذين سبقوا إلى الإيمان في مكّة، وسبقوا إلى نصرة النّبيّ ﷺ في المدينة، وقد طمأن النّبيُّ ﷺ النّاسَ الّذين لم يدركوا عهد النّبيّ ﷺ فقال: «وددتُ أنّي لقيتُ إخواني»، فقال أصحاب النّبيّ ﷺ: أو ليس نحن إخوانك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن إخواني الّذين آمنوا بي ولم يروني»([1]).
وقيل المراد في الآية: المهاجرون أوّلاً من أهل بدر الّذين دخلوا معركة الفرقان ومن كان معهم ممّن خرجوا من المدينة المنوّرة من الأنصار. وهنا لا بدّ أن نروي قصّة حاطب بن أبي بلتعة الّذي أرسل رسالةً إلى المشركين في مكّة ليخبرهم بأنّ النّبيّ ﷺ سيأتي لفتحها، عن عليّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله ﷺ أنا والزّبير والمقداد بن الأسود قال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة ومعها كتابٌ فخذوه منها»، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتّى انتهينا إلى الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتابٍ، فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثّياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ من المشركين من أهل مكّة يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «يا حاطب، ما هذا؟»، قال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إنّي كنت امرأً مُلصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان مَن معك من المهاجرين لهم قرابات بمكّة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النّسب فيهم أن أتّخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: «لقد صدقكم»، قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عُنُق هذا المنافق، قال: «إنّه قد شَهِد بدراً، وما يدريك لعلّ الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»([2])، دائماً هذا سلوك النّبيّ ﷺ، يعطي التّبرير لأيّ مجالٍ أو فسحةٍ ولو كانت صغيرةً، وهذا هو دين الإسلام العظيم.
([1]) مسند أحمد بن حنبل: مسند المكثرين من الصّحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، الحديث رقم (12601).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الجهاد والسّير، باب الجاسوس، الحديث رقم (2845).