كلّ الأحكام الّتي وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى يأتي بعدها الأمر بالعبادة، والعبادة ليست كما يتوّقع بعض النّاس أنّها العبادات الفقهيّة الّتي حُدّدت بالصّلاة والصّيام والحجّ والزّكاة فقط، وإنّما العبادة هي في كلّ عملٍ نافعٍ يعود على الإنسان وعلى غيره وعلى مجتمعه ووطنه وأمّته بالخير، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذّاريات].
فالعبادة تشمل الطّاعة، طاعة آمرٍ بما أمر، ولها الكثير من المجالات. أمّا الصّلاة والصّيام والحجّ والزّكاة فهي أركان الإسلام، وهذه الأركان هي الدّعائم الّتي يقوم عليها الإسلام ويُبنى، لقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «بُني الإسلامُ على خمس: شهادة أنْ لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله، وإقامِ الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان»([1])، أي أنّها جزءٌ من الإسلام وليست هي الإسلام، فالّذي يعتقد أنّ الإسلام صلاةٌ وصيامٌ وحجٌّ وزكاةٌ فقط فهو مخطئٌ؛ لأنّ الإسلام أشمل من ذلك، هو كلّ أمرٍ أمرَ الله سبحانه وتعالى به، والدّليل قول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «بُني الإسلامُ على خمس»، فالإسلام بُني عليها، وكلّ طاعةٍ لله عزَّ وجلهي عبادةٌ، فمثلاً: عندما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة (الجمعة): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة]، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضله وجاء ذلك بفعلي أمرٍ: ﴿فَانتَشِرُوا﴾، ﴿وَابْتَغُوا﴾، فهو طاعةٌ لله عزَّ وجل