أراد الله سبحانه وتعالى أن يحاجج القوم الّذين يعدّون أنفسهم أنّهم ينتسبون إلى إبراهيم عليه السَّلام، وأن يسلّي قلب النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويضع الحجّة على هؤلاء القوم الّذين كانوا يعبدون اللّات والعُزّى والأصنام في ذلك الوقت، فقال جلّ وعلا: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾: عندما تجد كلمة (إذ) أي حين، ظرف زمانٍ، أي اذكر يا محمّد الزّمن الّذي كان فيه إبراهيم.
﴿لأَبِيهِ آزَرَ﴾: لماذا ذكر القرآن الكريم اسم الأب؟ وعادةً لا يذكر القرآن الكريم أسماءً في الآيات إلّا إذا كان هناك مدلولٌ معيّنٌ بالنّسبة لهذه الأسماء، ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ﴾ [آل عمران: من الآية 35]، ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ﴾ [يوسف: من الآية 51]، ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾ [القصص: من الآية 9]، هنا حدّد اسم الأب، ونجد بأنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في الحديث: «لم أزل أنقل من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام الطّاهرات»([1])، فكيف يكون والد إبراهيم عليه السَّلام من عبدة الأصنام والأوثان، والقرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التّوبة: من الآية 28]، فوالد إبراهيم عليه السَّلام يجب أن يكون موحّداً، توقّف العلماء عند هذه الآية، فوجدوا أنّ اسم الأب يطلق في القرآن الكريم على الجدّ وعلى جدّ الجدّ وعلى الأب وعلى العمّ أيضاً، بدليل قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة]، يعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم جدّ الجدّ، وإسحاق الجدّ، ويعقوب هو الأب، لكن ذُكر بينهم إسماعيل، وهو عمّ يعقوب، وأخو إسحاق، فإذاً العمّ يطلق عليه اسم الأب في القرآن الكريم، وقد قال السّادة العلماء: بأنّ القرآن الكريم عندما بيّن الاسم آزر، فالمقصود منه عمّ سيّدنا إبراهيم عليه السَّلام الّذي ربّاه، أمّا والد سيّدنا إبراهيم فاسمه تارخ وليس آزر، وقد كان في كنف عمّه الّذي ربّاه؛ لأنّ والده كان ميّتاً، ففي اللّغة العربيّة مثلاً عندما يطرق شخصٌ ما الباب ويفتح له طفلٌ يقول له: نادِ أباك، ولا يقول له: نادِ أباك أحمد؛ لأنّه عندما يسمّي الاسم يقصد غير الأب، هو يعرف أنّ أباه اسمه أحمد، إذاً يقصد عمّه.