رفعُ الجبلِ فوقهم معجزة خصّ الله سبحانه وتعالى بها بني إسرائيل، وقد خافوا من نتق الجبل فوق رؤوسهم أكثر من خوفهم من الله، فسجدوا وهم ينظرون جانباً خوفاً من الجبل، فهم لا يخافون الله سبحانه وتعالى بل يخافون الجبل. وبقيت هذه الحركة عندهم حتّى الآن.
﴿خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾: أي أن تأخذ الدّين عن قناعة ويقين، أن تأتي إلى الصّلاة بقوّة ونشاط وبهمّة عالية، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لسيّدنا بلال ليؤذّن للصّلاة: «يا بلال، أقم الصّلاة، أرحنا بها»([1])، وليس “أرحنا منها يا بلال”، أي لا تتكاسلوا عن طاعة الله. وأن تؤدّي زكاة مالك طيّبة بها نفسك، وكذلك كلّ أوامر الله تبارك وتعالى.
﴿وَاسْمَعُواْ﴾: افهموا وأطيعوا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾]الأنفال[، فالسّمع وسيلة للفهم عن الله، وأنت تسمع من الله حين تقرأ القرآن، والقرآن الكريم لا يمكن تعلّمه إلّا عن طريق السّماع والتّلقّي، وبلاد الشّام -والحمد لله-مشهورة بالإقراء وبالإجازات بالسّند، ومنها تخرّج القرّاء إلى دول العالم الإسلاميّ كافَّةً عبر القرون، ولا يمكن تعلّم القرآن الكريم إلّا بالسّماع والتّلقّي، فكيف يميّز من لم يسمع القرآن بين قوله سبحانه وتعالى: ﴿الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾]البقرة[، وبين قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾]إبراهيم: من الآية 24[، ورسم الكلمة واحد في (الم) والقراءة تختلف، وأحكام التّجويد هي كيفيّة قراءة القرآن كما قرأه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأخذه القرّاء عن الصّحابة جيلاً بعد جيل، وقارئاً عن مقرئ، حتّى وصل إلينا كما أُنزل، ونحن نسمع لنتعلّم القراءة، ونقرأ على المقرئين.
﴿وَاسْمَعُواْ﴾: أيضاً بمعنى أطيعوا.
﴿قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾: لا يمكن لهم أن يقولوا: (سمعنا وأطعنا) كما نقول نحن: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾]البقرة: من الآية 285[، لكنّهم قالوا: سمعنا (باللّسان) و(عصينا) بالقلوب، ولا يمكن أن يقولوا: عصينا بألسنتهم، فهم نووا المعصية بقلوبهم وعلم الله ذلك منهم، وهم لم يقولوا: عصينا بألسنتهم بل قالتها قلوبهم، فهم أضمروا المعصية، وهذا كلام الله، ولا يمكن أن يقول بشر مثل هذا، بل الله يقول؛ لأنّه يعلم ما يضمرون في قلوبهم.
﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾: العجل كبير، والقلب صغير، فكيف يشرب العجل؟! هذه صورة مجازيّة، أي أُشربوا في قلوبهم محبّة العجل: كالماء تتشرّبه كلّ خلايا الجسم وأنسجته، وليست هناك أيّة خليّة ليس فيها ماء، وقد دخل الكفر والجحود إلى كلّ خلاياهم، وهذا من دقّة التّشبيه، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، وقد أُشربوا في قلوبهم محبّة العجل، بسبب كفرهم وجحودهم، وليس ظلماً من الله سبحانه وتعالى.
﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾.
([1]) سنن أبي داود: كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة، الحديث رقم (4985).