﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾: الآيات قد يُراد بها آياتٌ كونيّةٌ، وهي العجائب الّتي في الكون، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ ﴾ ] فصّلت: من الآية 37[، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾ ] الرّوم: من الآية 21[، وقد تأتي بمعنى المعجزة، وهي دليلٌ على صدق الرّسل 4 في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، وقد تأتي بمعنى آيات القرآن الكريم.
﴿ بَيِّنَاتٍ﴾: أي واضحات.
﴿ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾: وهم الّذين لا يؤمنون بالإله ولا البعث؛ لأنّهم قالوا: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ ]الجاثية: من الآية 24[، وقالوا: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ]الصّافّات[، والإنسان الّذي لا يؤمن بالبعث لا يؤمن بلقاء الله سبحانه وتعالى، وسيُفاجأ بالإله الّذي أنكره، وستكون المفاجأة صعبةً عليه، أمّا الّذي يؤمن بالبعث فهو يؤمن بلقاء الله عز وجل ويعدّ نفسه لهذا اللّقاء بالعبادة والعمل الصّالح.
﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ﴾: هم يطلبون طلبين: قرآناً غير هذا، أو تبديل بعض الآيات الّتي جاءت فيه، يريدون حذف الآيات الّتي تهزأ بالأصنام، وكذلك الآيات الّتي تتوعّد بسوء المصير للمكذّبين، فيأتي الجواب من الله سبحانه وتعالى على شقٍّ واحدٍ ممّا طلبوه، وهو المطلب الثّاني يقول عز وجل: ﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ فلم يردّ الحقّ سبحانه وتعالى على قولهم: ﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ﴾؛ لأنّ الإتيان بقرآنٍ غير هذا يتطلّب تغييراً للكلّ، لكنّ التّبديل هو الأمر السّهل، وقد نفى الأسهل ليعلموا أنّ طلب الأصعب منفيٌّ من طبيعته، فاكتفى بالرّدّ على المطلب الثّاني.
﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ ﴾: أمر الله سبحانه وتعالى النّبيّ ﷺ أن يبيّن لهم أنّ أمر التّبديل ممكنٌ، لكن ليس من عند رسول الله ﷺ، بل بأمرٍ من الله جل جلاله، وقد قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ﴾ ]النّحل: من الآية 101[، فأجاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما أمره الله سبحانه وتعالى.
﴿ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾: أي من جهتي، ويسمّون التّلقاء هنا: الجهة، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ﴾ ]القصص: من الآية 22[، تلقاء؛ أي جهة مدين، وتلقاء قد تأتي بمعنى اللّقاء، تقول: لقيت فلاناً؛ أي أنا وفلانٌ التقينا في مكانٍ واحدٍ فنحن نوجد فيه.
﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾: يبيّن النّبيّ ﷺ بأنّه وحيٌ يوحى، فهو لا يـأتي بالقرآن الكريم من عند نفسه، بل بوحيٍ من الله سبحانه وتعالى.
﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾: أي أنّه ﷺ لو جاء بشيءٍ من عنده ففي هذا معصيةٌ لله سبحانه وتعالى ، ونحن نعلم أنّ رسول الله ﷺ لم يُعرف عنه أنّه كان شاعراً ولا كاتباً، وبعد نزول الوحي عليه من الله سبحانه وتعالى جاء القرآن الكريم في منتهى البلاغة والإعجاز والإحكام، وقد نزل الوحي عليه ﷺ وهو في الأربعين من عمره، ولا توجد عبقريّةٌ تؤجّل إلى هذه المرحلة من العمر.