﴿هُنَالِكَ﴾: إشارةٌ إلى زمانٍ أو مكانٍ، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾] آل عمران: من الآية 38[؛ أي في ذلك الزّمان وفي ذلك المكان، هنالك؛ أي في الموقف الّذي تحدّث المولى سبحانه وتعالى عنه وهو يوم الحشر.
﴿تَبْلُواْ﴾ : تختبر، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ۞ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴾ ]النّجم[، كما قال سيّدنا الإمام عليّ كرّم الله وجهه: “ارتحلت الدّنيا مدبرةً والآخرة مقبلةً، ولكلّ واحدةٍ منهما بنونٌ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عملٌ ولا حسابٌ، وغداً حسابٌ ولا عملٌ”([1]).
﴿كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ﴾: ما أسلفت في الحياة الدّنيا، ما قامت به من عملٍ، فالنّتيجة تكون على جزاء العمل الّذي قام به الإنسان.
﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ﴾: وكأنّهم كانوا عند الله سبحانه وتعالى من قبل، فالإنسان الّذي يضلّ الطّريق، ولا يؤمن بالله عز وجل عمليّاً، يردّ إلى الله جل جلاله؛ لأنّ في فطرته الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
﴿الْحَقِّ﴾: الحقّ: هو الشّيء الثّابت الّذي لا يتغيّر.
﴿وَضَلَّ عَنْهُم﴾: افترق وغاب عنهم.
﴿مَّا كَانُوا يَفْتَرُون﴾: ما كانوا يختلقون من أكاذيب بعبادة أوثانٍ أو أصنامٍ أو إنسانٍ أو أشجارٍ أو كواكب، وليس الإشراك فقط أن تتعبّد هؤلاء، وإنّما مجرّد اعتقادك أنّ فلاناً يضرّ وينفع، ويصل ويقطع، ويخفض ويرفع، غير الله سبحانه وتعالى فهذا إشراكٌ، عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رأيت بوجهه أمراً ساءني فقلت: بأبي وأمّي يا رسول الله، ما الّذي أرى بوجهك؟ قال: «أمرٌ أتخوّفه على أمّتي من بعدي»، قلت: وما هو؟ قال: «الشّرك وشهوةٌ خفيّةٌ»، قال: قلت: يا رسول الله، أتُشرك أمّتك من بعدك؟ قال: «يا شدّاد، أما إنّهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً ولكن يراؤون النّاس بأعمالهم»([2])؛ أي يعملون العمل لغير الله سبحانه وتعالى، ولا يجعلون في حسابهم أنّهم سيلاقونه عز وجل، وسيحاسبون على ما يفعلونه في هذه الحياة الدّنيا، لذلك الإنسان المؤمن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالآخرة، ولا يعيش فقط في الدّنيا، فإن ابتُلي وامتُحن ومرض وافتقر في هذه الدّنيا فإنّه يعلم بأنّ هذا ليس نهاية المطاف، ويبقى راضياً بقضاء الله سبحانه وتعالى.
([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الرّقاق، باب في الأمل وطوله.
([2]) المستدرك على الصّحيحين للحاكم: ج4، ص/366، الحديث رقم (7940).