الآية رقم (120) - مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

الحديث هنا فيه رجوعٌ إلى الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك.

﴿أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾: لأنّ هذا يُناقض الإيمان.

﴿وَلَا يَرْغَبُوا﴾: قولك: رغبت؛ أي أنّك ملت ميلاً قلبيّاً، أمّا إن قلت: رغبت في، فهو ميلٌ قلبيٌّ إلى ممارسة الفعل، وقولك: رغبت عن: فيه تجاوزٌ؛ أي أنّهم فضّلوا أمر نفوسهم على أمر رسول الله :، لذلك نجد سيّدنا عمر t لـمّا سمع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين»([1])، قال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيءٍ إلّا من نفسي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا والّذي نفسي بيده، حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر»([2]).

﴿ظَمَأٌ﴾: عطشٌ، ونعلم أنّ الظّمأ قد أصاب جيش العسرة في هذه المعركة.

﴿وَلَا نَصَبٌ﴾: نصبٌ: تعبٌ، وقد كانت الغزوة في جوٍّ حارٍّ مرهق.

﴿وَلَا مَخْمَصَةٌ﴾: أي مجاعةٌ، فقد كانوا يأكلون التّمر حتّى ولو أصابه الدّود.

﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾: حيث كان للكفّار رقعةٌ من الأرض يتمركزون فيها، وحين يغير عليهم المؤمنون في تبوك ويزحزحونهم عن هذا المكان، ينزلون إلى الوديان والبساتين الّتي كان فيها الرّوم، ممّا يغيظ أهل الكفر والشّرك.

﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا﴾: يأخذون من عدوٍّ منالاً؛ أي أن يقهروا العدوّ فيتراجع ويشعر بالخسران، وحينئذٍ يأخذون الجزاء الخيّر من الله تبارك وتعالى.

(([1] صحيح البخاريّ: كتاب الإيمان، باب حبّ الرّسول : من الإيمان، الحديث رقم (15).

(([2] صحيح البخاريّ: كتاب الأيمان والنّذور، باب كيف كانت يمين النّبيّ :، الحديث رقم (6257).

«ما»: نافية.

«كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ»: كان والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف المقدم.

«وَمَنْ»: الواو عاطفة ومن اسم موصول معطوف على أهل.

«حَوْلَهُمْ»: ظرف مكان متعلق بصلة الموصول والهاء مضاف إليه.

«مِنَ الْأَعْرابِ»: حال .

«أَنْ»: ناصبة.

«يَتَخَلَّفُوا»: مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل والجملة في محل رفع اسم كان.

«عَنْ رَسُولِ»: متعلقان بيتخلفوا.

«اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه.

«وَلا يَرْغَبُوا»: الواو عاطفة ولا نافية ومضارع منصوب بحذف النون والواو فاعل.

«بِأَنْفُسِهِمْ»: متعلقان بيرغبوا.

«عَنْ نَفْسِهِ»: متعلقان بيرغبوا والهاء مضاف إليه.

«ذلِكَ»: اسم اشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب والجملة مستأنفة.

«بِأَنَّهُمْ»: الباء حرف جر وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر ومتعلقان بخبر المبتدأ المحذوف.

«لا»: نافية.

«يُصِيبُهُمْ»: مضارع ومفعوله والجملة خبر أنّ.

«ظَمَأٌ»: فاعل.

«وَلا»: الواو عاطفة ولا زائدة .

«نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ»: معطوف على ما قبله.

«فِي سَبِيلِ»: متعلقان بمحذوف صفة مما تقدم .

«اللَّهِ»: لفظ الجلالة مضاف إليه.

«وَلا»: الواو عاطفة ولا نافية.

«يَطَؤُنَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة معطوفة.

«مَوْطِئاً»: مفعول مطلق.

«يَغِيظُ»: مضارع فاعله مستتر.

«الْكُفَّارَ»: مفعول به والجملة صفة لموطئا.

«وَلا»: الواو عاطفة ولا نافية.

«يَنالُونَ»: معطوف على ما قبله.

«مِنْ عَدُوٍّ»: متعلقان بينالون.

«نَيْلًا»: مفعول مطلق.

«إِلَّا»: أداة حصر.

«كُتِبَ»: ماض مبني للمجهول.

«لَهُمْ»: متعلقان بكتب.

«بِهِ»: متعلقان بكتب .

«عَمَلٌ»: نائب فاعل.

«صالِحٌ»: صفة لعمل.

«إِنَّ اللَّهَ»: إن واسمها والجملة مستأنفة.

«لا»: نافية.

«يُضِيعُ»: مضارع وفاعله مستتر والجملة خبر إن.

«أَجْرَ»: مفعول به.

«الْمُحْسِنِينَ»: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

أَنْ يَتَخَلَّفُوا: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إذا غزا وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ بأن يصونوها عما رضيه لنفسه من الشدائد.

والرغبة الأولى: المحبة والإيثار، والثانية: الكراهة، وهو نهي بلفظ الخبر ذلِكَ أي النهي عن التخلف.

ظَمَأٌ: عطش.

نَصَبٌ: تعب.

مَخْمَصَةٌ: جوع.

يَغِيظُ: يغضب.

نَيْلًا: أسرا أو قتلا أو أخذ مال.

إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ: إلا استوجبوا به الثواب والجزاء عليه.

لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ: أجرهم على إحسانهم، بل يثيبهم، وهو تنبيه على أن الجهاد إحسان، أما في حق الكفار فلأنه سعي في تكميلهم بأقصى ما يمكن كشرب المريض الدواء المرّ، وأما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم من سطوة الكفار واستيلائهم.