الحديث هنا فيه رجوعٌ إلى الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك.
﴿أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾: لأنّ هذا يُناقض الإيمان.
﴿وَلَا يَرْغَبُوا﴾: قولك: رغبت؛ أي أنّك ملت ميلاً قلبيّاً، أمّا إن قلت: رغبت في، فهو ميلٌ قلبيٌّ إلى ممارسة الفعل، وقولك: رغبت عن: فيه تجاوزٌ؛ أي أنّهم فضّلوا أمر نفوسهم على أمر رسول الله :، لذلك نجد سيّدنا عمر t لـمّا سمع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين»([1])، قال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيءٍ إلّا من نفسي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا والّذي نفسي بيده، حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر»([2]).
﴿ظَمَأٌ﴾: عطشٌ، ونعلم أنّ الظّمأ قد أصاب جيش العسرة في هذه المعركة.
﴿وَلَا نَصَبٌ﴾: نصبٌ: تعبٌ، وقد كانت الغزوة في جوٍّ حارٍّ مرهق.
﴿وَلَا مَخْمَصَةٌ﴾: أي مجاعةٌ، فقد كانوا يأكلون التّمر حتّى ولو أصابه الدّود.
﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾: حيث كان للكفّار رقعةٌ من الأرض يتمركزون فيها، وحين يغير عليهم المؤمنون في تبوك ويزحزحونهم عن هذا المكان، ينزلون إلى الوديان والبساتين الّتي كان فيها الرّوم، ممّا يغيظ أهل الكفر والشّرك.
﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا﴾: يأخذون من عدوٍّ منالاً؛ أي أن يقهروا العدوّ فيتراجع ويشعر بالخسران، وحينئذٍ يأخذون الجزاء الخيّر من الله تبارك وتعالى.
(([1] صحيح البخاريّ: كتاب الإيمان، باب حبّ الرّسول : من الإيمان، الحديث رقم (15).
(([2] صحيح البخاريّ: كتاب الأيمان والنّذور، باب كيف كانت يمين النّبيّ :، الحديث رقم (6257).