الآية رقم (103) - مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ

﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾: هنا أربعة من الأنعام: بحيرة وسائبة ووصيلة وحام، مرّ بنا ما أحلّ الله سبحانه وتعالى من الأنعام وما حرّم منها، وهناك قاعدةٌ فقهيّةٌ تقول: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نصٌّ قطعيٌّ في التّحريم، ومن له سلطة التّحريم؟ الجواب: إنّه الله عزَّ وجلّ والرّسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، لا يستطيع أحدٌ من البشر أن يحلّل وأن يحرّم من تلقاء نفسه؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي خلق ويعلم ما يصلح لصنعته، فالخالق يدبّر أمر الخلق، وليس لمخلوقٍ أن يدبّر أمر الخلق.

البحيرة: هي من الأنعام، وهي ناقةٌ تشقّ أذنها شقّاً طويلاً كعلامةٍ أنّها محرّمةٌ فلا يحلبها ولا يتعرّض لها أحدٌ من النّاس.

السّائبة: هي النَّذْر، ينذر هذه الأنعام أو النّاقة فلا تُربط، وتأكل كما تريد، أي لا يجوز أن يُقترَب منها.

ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ: ما نافية لا عمل لها. جعل فعل ماض بمعنى صيّر يتعدى لمفعولين حذف الثاني منهما أي ما صيّر الله حيوانا بحيرة. ومن حرف جر زائد بحيرة اسم مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به

وَلا سائِبَةٍ: عطف على بحيرة. ولا زائدة لتأكيد النفي وكذلك

«وَلا وَصِيلَةٍ» «وَلا حامٍ»: معطوف مجرور بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص منوّن وجملة ما جعل استئنافية لا محل لها.

لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: لكن حرف مشبه بالفعل واسم الموصول في محل نصب اسمها وجملة كفروا صلة الموصول لا محل لها

يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ: فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور بعده والواو فاعله، والكذب مفعوله والجملة في محل رفع خبر لكن.

وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ: الواو حالية. أكثر مبتدأ وجملة لا يعقلون خبره والجملة الاسمية وأكثرهم في محل نصب حال أو مستأنفة لا محل لها.

ما جَعَلَ: ما شرع شيئا من هذه الأحكام التي كان العرب يفعلها في الجاهلية، ولا أمر بالتبحير والتسبيب وغير ذلك، ولكنهم يفترون ويقلدون في تحريمها كبارهم.

البحيرة: هي الناقة التي كانوا يبحرون أذنها، أي يشقونها شقًا واسعًا، إذا نتجت خمسة أبطن إناثاً آخرها أنثى وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها. فإن كان آخرها ذكرا نحروه تأكله الرجال والنساء.

وقيل: غير ذلك بأن آخرها ذكر.

السائبة: الناقة التي كانت تسيّب بنذرها لآلهتهم الأصنام، فتعطى للسدنة، وترعى حيث شاءت، ولا يحمل عليها شيء، ولا يجزّ صوفها ولا يحلب لبنها إلا لضيف.

الوصيلة: الشاة أو الناقة التي تصل أخاها، فإذا بكرت في أول النتاج بأنثى كانت لهم، وإذا ولدت ذكرا كان لآلتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم. وقيل: غير ذلك.

الحامي: الفحل الذي يضرب في مال صاحبه فيولد من ظهره عشرة أبطن، فيقولون: حمى ظهره، فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.

روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة: التي يمنع درّها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة: التي كانوا يسيبونها لآلهتهم، فلا يحمل عليها شيء. والوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى، ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه، ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل عليه، فلا يحمل عليه شيء، وسموه الحامي.

يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ: أي يختلقون الكذب في ذلك، وفي نسبته إلى الله.

وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ: أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم.