﴿لَهُمْ دَارُ﴾: الدّار: هي ما يستقرّ به الإنسان، وهي أكبر من موضوع بيت، فالبيت للبيتوتة، أمّا الدّار ففيها مقوّمات الحياة إضافةً للبيتوتة، لكنّه نسب الدّار لاسمه السّلام، والسّلام هو الأمان والاطمئنان، لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب]، وقد جعل الله سبحانه وتعالى السّلام تحيّة أمّتنا، وجعل السّلام من صلاتنا، فكلمة السّلام هنا: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ﴾، أي الدّار الّتي هي مستقرّ الإنسان وفيها كلّ ما يشتهيه من عطاءات الرّبوبيّة.
﴿وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: الله سبحانه وتعالى لا يضيع عمل عاملٍ من ذكرٍ أو أنثى، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾ [النّجم]، فالإنسان يثاب على قدر العمل، ويتعلّق الإنسان بعمله إلّا ما خصّصه النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقةٌ جاريةٌ، وعلمٌ يُنتَفع به، وولدٌ صالحٌ يدعو له»([1])، لماذا؟ الجواب: لأنّه من آثار عمله، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ﴾ [يس: من الآية 12]، إذاً دخلت الصّدقة الجارية ضمن دائرة العمل، أي أنّها مستمرّةٌ بعد وفاته، وكذلك العلم مستمرٌّ، ودين الإسلام هو دين العلم، والولد الصّالح أيضاً هو استمرارٌ للإنسان فهو يدعو لوالده ووالدته فيكون من جنس عملهما، ومع ذلك فإنّ الإنسان لا يدخل الجنّة بعمله، وقد بيّن النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك فقال: «لا يدخل أحدكم الجنّة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله منه برحمةٍ وفضلٍ»([2])، أي أنّ الله سبحانه وتعالى برحمته جعل جزاء العمل الجنّة، ولو لم يُرد أن تكون لك جنّةٌ من عملك لـما حصلت عليها.