يقول النّبيّ ﷺ للّذين طلبوا تغيير القرآن أو تبديله: لقد عشت طوال عمري معكم، ولم تكن لي قوّة بلاغةٍ أو شعرٍ أكتمها حتّى بلغت الأربعين، ورأيتم أنّه ﷺ لم يجلس إلى معلّمٍ، واتّهموه مع ذلك بقولهم: ﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ ]النّحل: من الآية 103[، ففضحهم الحقّ سبحانه وتعالى بأنّه أنزل في القرآن الكريم: ﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)﴾ ]النّحل: من الآية 103[، والنّبيّ ﷺ لم يخرج من شبه الجزيرة العربيّة قبل البعثة، ولم يقرأ مؤلّفات أحدٍ، فمن أين جاء القرآن الكريم؟ لقد جاء من الله سبحانه وتعالى ولا داعي للاتّهام أنّ القرآن الكريم من عند محمّد ﷺ.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ يدلّنا على أنّ القضيّة الّتي كذّبوا فيها رسول الله ﷺ نشأت من عدم استعمال العقل، فلو أنّهم استعملوا عقولهم في استخدام المقدّمات المحسوسة الّتي يؤمنون ويسلّمون بها لانتهوا إلى القضيّة الإيمانيّة الّتي يقولها رسول الله ﷺ، ومهمّة العقل دائماً مأخوذةٌ من اشتقاقه، فالعقل مأخوذٌ من عِقالٍ كعِقال البعير، وهو الحبل الّذي يربط بين ساقي الجمل حتّى لا ينهض ولا يتحرّك إلى أن نحتاج هذه الحركة، فالعقل إنّما جاء ليحكم الـمَلَكات؛ لأنّ كلّ مَلكةٍ في الإنسان لها نزوعٌ إلى شيءٍ، فالعين لها مَلَكة أن ترى كلّ شيءٍ، فيقول لها العقل: لا تشاهدي ذلك؛ لأنّه منظرٌ سيؤذيك، والأذن تحبّ أن تسمع كلّ قولٍ، فيقول لها العقل: لا تسمعي حتّى لا يضرّك، فالعقل هو الضّابط على بقيّة الجوارح، وكذلك كلمة الحكمة مأخوذةٌ من الحَكَمَ، وهو اللّجام الّذي يوضع في فم الفرس حتّى لا يجمح وتظلّ حركته محسوبةً، فلا يتحرّك إلّا بالاتّجاه الّذي تريد، فشاء الحقّ سبحانه وتعالى أن يميّز الإنسان بالعقل والحكمة ليقيم الموازين لـمَلَكَات النّفس، فخذوا أيّها النّاس المقدّمات الـمُحسوسة الّتي تؤمنون بها وتشاهدونها وتسلّمون بها؛ لتستنبطوا أنّه ما جاء هذا الكلام من عند محمّد ﷺ وإنّما من عند الله سبحانه وتعالى.