الآية رقم (29) - قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ

﴿قُلْ﴾: يا محمّد.

﴿أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾: في جملةٍ واحدةٍ، وفي آيةٍ قصيرةٍ أجملَ الله سبحانه وتعالى الدّين كلّه، بعقيدته وتشريعاته وأخلاقيّاته الّتي جاء بها.

﴿بِالْقِسْطِ﴾: أي بالعدل.

ما دام أنّهم يقولون على الله سبحانه وتعالى ما لا يعلمون، ويدّعون بأنّه سبحانه وتعالى هو الّذي أمر بهذه الفحشاء، فقل: أمر ربّي قبل كلّ شيءٍ، قبل أن يتحدّث عن الصّلاة وعن المساجد، ﴿أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾، وقال جلَّ جلاله في آيةٍ أخرى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النّحل: من الآية 90]، والإسلام جاء ليساوي بين النّاس، قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنّ الله عزَّ وجلّ قد أذهب عنكم عُبيّة الجاهليّة وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب»([1])، لا يوجد فارقٌ ما بين كبيرٍ وصغيرٍ، ما بين أميرٍ ومأمورٍ، ما بين غنيٍّ وفقيرٍ، المساواة في كلّ شيءٍ، لذلك تعلّم أبناء الإسلام العدل من القرآن الكريم ومن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، عندما كلّمه أسامة في امرأةٍ مخزوميّةٍ من عليّة القوم سرقت فقال: «أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!»، ثمّ قام فاختطب ثمّ قال: «إنّما أهلك الّذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وأيم الله، لو أنّ فاطمة بنت محمّدٍ سرقت لقطعت يدها»([2])، لماذا؟ الجواب: لأنّ هناك مساواةً، فأيّ دعوةٍ وأيّ دينٍ وأيّ أخلاقٍ لا تساوي بين النّاس وتفرّق بينهم هي دعواتٌ باطلةٌ، لذلك قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الخلق عيال الله، وأحبّ عباد الله إلى الله أنفعهم لعياله»([3]).

قُلْ: فعل أمر والجملة مستأنفة لا محل لها.

أَمَرَ: فعل ماض

رَبِّي: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

بِالْقِسْطِ: متعلقان بأمر.

وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ: فعل أمر مبني على حذف النون وفاعله ومفعوله. والجملة معطوفة على ما قبلها.

عِنْدَ: ظرف مكان متعلق بأقيموا.

كُلِّ: مضاف إليه

مَسْجِدٍ: مضاف إليه

وَادْعُوهُ: فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة.

مُخْلِصِينَ: حال منصوبة بالياء.

لَهُ: متعلقان باسم الفاعل مخلصين قبله.

الدِّينَ: مفعول به لاسم الفاعل، وفاعله ضمير مستتر.

كَما: الكاف حرف جر ما مصدرية.

بَدَأَكُمْ: فعل ماض فاعله هو والكاف مفعوله والمصدر المؤول من الحرف المصدري والفعل في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لمصدر محذوف والتقدير تعودون عودا مثل بدئكم.

وجملة (تَعُودُونَ): استئنافية لا محل لها.

وَأَقِيمُوا: معطوف على معنى:بالقسط، أي قال: أقسطوا وأقيموا. وإقامة الشيء: إعطاؤه حقه وتوفيته شروطه، كإقامة الصلاة، وإقامة الوزن بالقسط.

وُجُوهَكُمْ: الوجه معروف وهو أشرف أعضاء الإنسان، والمراد هنا: إما العضو المعروف من الإنسان مثل قوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة 2/ 144] وإما كناية عن توجه القلب وصحة القصد، مثل قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [الروم 30/ 30] .

عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ: أي أخلصوا له سجودكم.

وَادْعُوهُ: اعبدوه.

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: من الشرك.

كَما بَدَأَكُمْ: خلقكم ولم تكونوا شيئًا.

تَعُودُونَ: أي يعيدكم أحياء يوم القيامة