دعا السّيّد المسيح عليه السَّلام الله جلَّ جلاله بقوله: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا﴾: استخدم عبارتين: (اللّهمّ) و(ربّنا)، هناك صفة الألوهيّة وصفة الرّبوبيّة، بصفة الألوهيّة قدّم الطّاعة، وصفة الألوهيّة تكون بالتّكليف الإيمانيّ، وأمّا صفة الرّبوبيّة، فالرّبّ: هو المتوليّ بالنّعم والعطاء.
﴿أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ﴾: بدّل السّيّد المسيح عليه السَّلام طلب الحواريّين، هم طلبوا من الزّاوية الماديّة: ﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾، المعجزات خرق اقتدارٍ من مقتدرٍ، وخرقٌ لنواميس الكون، وليس سبق ابتكار، لكنّ السّيّد المسيح عليه السَّلام قال: ﴿أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ﴾، أي اجعلها آيةً معجزةً إيمانيّةً، وعيداً: العيد لحدثٍ عظيمٍ، إذاً أخذ النّاحية القيميّة، بعد ذلك فقال:
﴿وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِين﴾: والرّزق ليس فقط بالطّعام، لم يقل: نأكل منها، بل قدّم: ﴿عِيداً﴾؛ لأنّه ناحيةٌ قيميّةٌ، وقدّم: ﴿وَآيَةً مِّنكَ﴾؛ لأنّها معجزةٌ حتّى تكون عيداً لنا لأوّلنا وآخرنا عبر كلّ الزّمان والمكان، تكون هذه المائدة هي آيةً دالّةً معجزةً.