إذاً طلب زكريّا من الله عز وجل أن يجعل له آية تدلّ على هذا العطاء، حتّى يعرف أنّ المعجزة حدثت باعتبار أنّ الحيض منقطع عن زوجته، فكيف سيعرف أنّه وقع الأمر؟! هو متأكّد من وقوعه لكنّه أراد معجزة دالّة.
(قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا): فكانت صياماً عن الكلام مع ذكر الله سبحانه وتعالى، فعندما لا تكلّم النّاس أنت تكلّم ربّ النّاس.
ولكن هنا هل أمره الله سبحانه وتعالى ألّا يكلّم النّاس أم منعه؟ الجواب: أنّه منعه، فلو أراد أن يتكلّم لما استطاع.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار) : انظروا لدقّة الأداء القرآنيّ، فالله منعه من الكلام، لكنّه سمح له بالشّكر والذّكر، والله سبحانه وتعالى عندما تحدّث عن معجزة الإسراء والمعراج إلى السّماوات، وهي أكبر بكثير من معجزة ولادة يحيى من امرأة عاقر، أن تطأ قدما المصطفى سدرة المنتهى، وأن يخرج من نطاق الحياة الدّنيا إلى منبع الأنوار، وأن يُسرى به ليلاً في نفس الوقت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ويعرج به إلى السّماوات السّبع، كيف ابتدأ الله سبحانه وتعالى الكلام؟ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء: من الآية 1]، أي نزّهوا الله سبحانه وتعالى عن أن يكون له مثيل.