﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ﴾: جاءت هذه الآية بعد الآية المتعلّقة بعقوبة السّرقة، إذ لا بدّ من التّوبة، ولا يمكن للإنسان أن يسرق أو يزني ثمّ يقول: أتوب إلى الله بعدما أرتكب الذّنوب، فالتّوبة الصّحيحة الصّادقة لا تُقبل من الإنسان إلّا بإصلاح ما أفسده، مع النّدم، وعدم مقارعة الإثم مرّةً أخرى، فهي: دعوةٌ متكرّرةٌ لإصلاح ما أفسد والكفّ عن الخطأ، والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون»([1])، والخطّاء هو الّذي يُكثر من الخطأ، وهذا من طبيعة بني آدم، وجاء حبيب بن الحارث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّي رجل مِقرافٌ، قال: «فتُب إلى الله يا حبيب»، قال: يا رسول الله، إنّي أتوب ثمّ أعود، قال: «فكلّما أذنبت فتب»، قال: يا رسول الله، إذاً تكثر ذنوبي، قال: «عفو الله أكبر من ذنوبك يا حبيب بن الحارث»([2])، المهم بالنّسبة للأعمال بالشّريعة الإسلاميّة هو النّيّة، فعند ارتكاب الخطأ لا بدّ من تحقيق العقوبة، ولا بدّ من التّوبة وإصلاح ما أُفسِدَ، فإن كانت التّوبة صادقةً وعاد الإنسان وأخطأ فباب التّوبة مفتوحٌ باستمرارٍ، أمّا التّوبة مع وجود النّيّة بالعودة إلى الخطأ فهذه ليست بتوبة؛ لأنّه لا يمكن لأحدٍ أن يحتال على علم الله سبحانه وتعالى ولا على قدرته.
﴿وَأَصْلَحَ﴾: لا بدّ من إعادة الشّيء المسروق إلى أصحابه، فإن لم يستطع فعليه أن يؤدّي لصاحبه ثمنه، أو يعدّه كالدّين ويوثّق حقّ صاحبه بعقدٍ، وتوثيق الحقوق أمرٌ ضروريٌّ في الإسلام حتّى لا تضيع. ومن يرتكب جرماً لا يمكن إصلاحه، فعليه التّوبة الصّادقة والنّصوحة لله تبارك وتعالى وعدم مقارعته للإثم، ولكن إن كان فيه ضررٌ على الغير أو ظلمٌ للغير فلا بدّ أن يتحلّل من جريمته وذنبه مع الغير، وعندها يتوب الله جلّ وعلا عليه، وإن لم يحقّق شروط التّوبة فلن يتوب الله عزَّ وجل عليه.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: والتّوبة تكون للجاني والرّحمة للمجني عليه.