﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾: فعل الأمر هنا طبيعيٌّ بعد: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، فالعطاء من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم يقتضي شكراً لهذه النّعمة، الـمُنعَم عليه هو الرّسول الكريم بالخير الكثير والوفير، صلّ: اتّصل بربّك واشكره، فبما أنّ هناك مُنعِماً مُتفضّلاً عليك فلا بدّ أن تذكر نعمته، وأن تُخلص له في العبادة والتّقرّب إليه، فلا أقلّ من أن تكون دائماً موصولاً بهذا الـمُنعِم تصلّي له شكراً وتقديراً.
﴿وَانْحَرْ﴾: النّحر: إنفاقٌ، كأنّ الله سبحانه وتعالى أنعم عليك لتُنعِم على غيرك، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النّور: من الآية 33]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: من الآية 77]، فكما أعطاك الله سبحانه وتعالى عُد بعطاءك يا محمّد إلى الغير، وفي الحديث الشّريف: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»([1])، وبعض النّاس يقولون: لقد عوّدت النّاس عادةً أن أعطيهم، والله سبحانه وتعالى عوّدني عادةً، فلا أريد أن أقطع عادتي مع النّاس حتّى لا يقطع الله سبحانه وتعالى عادته معي.
للعلماء في هذه الآية رأيان، بعضهم قال: إنّها عامّةٌ تُفيد مُطلق الصّلاة، ومُطلق النّحر؛ أي انحر ووزّع وأدِّ الحقّ للفقير، وبعض المفسّرين قال: إنّها نزلت في صلاة العيد ونحر الأُضحية، وهذا الرّأي رآه بعضهم أنّه يُضيّق واسعاً؛ لأنّ صلة الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بربّه ليست صلةً محدودةً بصلاة العيد، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل في مقام القربة والإحسان، وهذه من خصوصيّات النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ومن هنا نقول: إنّ قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ تعني مطلق الصّلاة ومطلق النّحر، وما دام أنّ الله سبحانه وتعالى أعطاه الكوثر وهو العطاء الّذي لا حدود له، فالصّلاة لا حدود لها، والعطاء يجب ألّا يكون له حدودٌ.