(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ): الفرح هو السّرور من فعلٍ تبتهج به النّفس، والمخلّفون هم الّذين أخلفهم وتركهم نفاقهم ليبقوا في المدينة، وتركوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عندما خرج إلى غزوة تبوك الّتي كانت في أشدّ الفصول حرّاً، وقدّموا معاذير كاذبة فتركهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
(بِمَقْعَدِهِمْ): المقعد: هو مكان القعود، والقعود هو رمز البقاء في أيّ مكانٍ، والقيام رمزٌ لبداية ترك المكان إلى مكانٍ آخر.
(خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ): خلاف: مصدر خالف، فتكون مخالفةً بالرّأي ومخالفةً بالقعود، وبيّن الحقّ سبحانه وتعالى سبب تخلّف المنافقين فقال:
(وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ): بل أرادوا أيضاً تثبيط همم المؤمنين وإكراههم على البقاء في المدينة فقالوا لهم:
(وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ): هم لم يكتفوا بموقفهم المخزي، بل أخذوا يحرّضون المؤمنين على عدم القتال، وأعطوا لأنفسهم عذراً بأنّ الجوّ حارٌّ وفيه مشقّةٌ.
(قُلْ): يا محمّد.
(نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ): إن كانوا قد هربوا من الحرّ والمشقّة، فإنّ مشقّة نار جهنّم أكبر بكثير، والإنسان لم يخطر بباله ما هي نار جهنّم؟ لذلك أعلمهم الله سبحانه وتعالى بأنّ هذا الأمر سيكون مآلهم.
(لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ): الفقه: هو الفهم الدّقيق، إنّك إن أدركت شيئاً بسطحيّة تكون قد عرفته، ولكنّك إن أدركته بمعطياته وخلفياته كلّها، وأدركت حقيقته تكون قد فقهته، صحيحٌ أنّهم كانوا سيتعبون بذهابهم إلى غزوة تبوك في الحرّ، ولكن بقعودهم ستكون العقوبة أكبر وأشدّ.