﴿فَرَغْتَ﴾: الفراغ: الانتهاء من أمرٍ ما.
﴿فَانصَبْ﴾: النّصب: التّعب.
إذا فرغت من الصّلاة فاجتهد في الوقوف بين يدَي الله سبحانه وتعالى بالتّطوّع والذّكر والدّعاء؛ لأنّ الصّلاة لم تكن قد فُرضت بعد، وقد فُرضت في رحلة الإسراء والمعراج في آخر المرحلة المكّيّة قبل الهجرة إلى المدينة، لقد حمّل الحقّ سبحانه وتعالى الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم مهمّة الرّسالة وتبليغها إلى عشيرته وإلى أهل مكّة والعالم أجمع، وقد تحمّل صلَّى الله عليه وسلَّم في سبيل إبلاغ هذه الرّسالة كثيراً من المشقّات الّتي شغلته عمّا كان يمارسه من عباداتٍ في غار حراء، حيث نزل عليه جبريل عليه السَّلام بالوحي، فأصبح في شغلٍ مع النّاس، وفي عناءٍ وشقاءٍ معهم، فإذا فرغت من كلّ هذا فانصب؛ أي قم منتصباً لله سبحانه وتعالى قائماً، متفرّغاً لعبادته عزَّ وجل، وقد كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم اللّيل حتّى تتورّم قدماه، فقالت السّيّدة عائشة رضي الله عنها: لِـمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تَقدَّم من ذنبك وما تَأخَّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبداً شكوراً»([1])، وليس المقصود فقط أن يتعب، بل المقصود أن يجعل رغبته ونيّته لله سبحانه وتعالى ، يُقبِل عليه إقبالَ المحبِّ ويلحّ في الدّعاء.