الآية رقم (85) - ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

﴿ثُمَّ: حرف عطف يفيد التّراخي في الزّمن.

أمّا الفاء فتفيد التّعقيب الفوريّ.

واستخدام كلمة ﴿ثُمَّ تعني أنّ الكلام انتقل الآن إلى اليهود الّذين كانوا في المدينة المنوّرة وقت تنزّل القرآن الكريم، وكانوا فريقين: فريق مع الأوس وفريق مع الخزرج. فإذا نشب قتال بين الأوس والخزرج قاتل فريق من اليهود مع الأوس وقاتل فريق منهم مع الخزرج، فيقتلون فريقاً من قومهم ويخرجونهم من ديارهم.

﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم: أي تنصرون فريقاً على آخر.

﴿بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ: الإثم: هو الاعتداء بدون حقّ، والعدوان: هو تجاوز الحدّ.

والمقصود بهذه الآيات أنّه بعد الحرب يكون افتداء للأسرى، وجمع أسير عادة: أسرى، كما في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ]الأنفال: من الآية 67[، وقد جيء هنا بكلمة ﴿أُسَارَى وجمع التّكسير في اللّغة العربيّة يحتمل أكثر من معنى، وهي هنا إشارة إلى كثرة الأسر، ولا يكون هذا في اللّغة العربيّة إلّا عندما يكون القائل عالماً بدخائل النّفوس، وكلام الله سبحانه وتعالىيتحدّث عن الإنسان بمظهره ومخبره، وكان اليهود يفتدون الأسرى من قومهم مع أنّ الله سبحانه وتعالى حرّم عليهم أصلاً إخراجهم. والقرآن الكريم يتحدّث عن دخائل النّفوس ويسبر أغوارها، وحين يتحدّث عن الملائكة مثلاً يقول سبحانه وتعالى: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ]البقرة:[، وهذا القول قد يكون في نفوسهم وسرّهم ولا يعلمه إلّا الله جلَّ جلاله وهؤلاء اليهود يفادون الأسارى وهو محرّم عليهم إخراجهم أصلاً.

﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ: الكفر هو السّتر، فهم يظهرون بعض الكتاب ويسترون بعضه الآخر، يأخذون جزءاً من الكتاب ويتركون جزءاً. بعض النّاس يأخذ من القرآن الكريم ما يرى فيه مصلحته، كمن يسارع لأخذ الميراث، ويقول: أمر الله سبحانه وتعالى بذلك في القرآن الكريم، فإذا ما ورد في القرآن الكريم ذكر لحقوق مترتّبة عليه، تهرّب وأعرض، فهو يأخذ من القرآن ما يناسبه ويترك منه ما لا يناسبه بنظره.

﴿فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ: فالجزاء في الدّنيا قد يكون وقد لا يكون، ومن اعتقد أنّه أفلت بجريمته فقد وَهِمَ؛ لأنّ الجزاء الأوفى في الآخرة.

﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: وقد يؤخّر الله سبحانه وتعالى الجزاء، فهو تعالى يمهل ولا يهمل، ولا بدّ من أن يكون الجزاء في الآخرة.

ثُمَّ: حرف عطف.

أَنْتُمْ: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.

هؤُلاءِ: اسم إشارة في محل نصب على النداء بياء النداء المحذوفة.

تَقْتُلُونَ: فعل مضارع وفاعل.

أَنْفُسَكُمْ: مفعول به والجملة خبر المبتدأ ومثلها جملة «وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً» معطوفة على سابقتها.

مِنْكُمْ: متعلقان بفريق أو بصفة له.

مِنْ دِيارِهِمْ: متعلقان بالفعل تخرجون.

تَظاهَرُونَ: فعل مضارع وفاعل.

عَلَيْهِمْ: متعلقان بتظاهرون والجملة في محل نصب حال.

بِالْإِثْمِ: متعلقان بمحذوف حال والمعنى تظاهرون عليهم حال كونهم متلبسين بالإثم.

وَالْعُدْوانِ: اسم معطوف على الإثم.

وَإِنْ: الواو استئنافية، إن شرطية.

يَأْتُوكُمْ: فعل مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل والكاف مفعول به.

أُسارى: حال منصوبة والجملة مستأنفة.

تُفادُوهُمْ: فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه جواب الشرط.

وَهُوَ: الواو حالية هو مبتدأ.

مُحَرَّمٌ: خبر.

عَلَيْكُمْ: جار ومجرور متعلقان بمحرم. والجملة الاسمية حالية.

إِخْراجُهُمْ: نائب فاعل لاسم المفعول محرم ويجوز إعراب هو مبتدأ ومحرم خبر مقدم وإخراجهم مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر.

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ: معطوفة على جملة محذوفة التقدير أتفعلون ذلك فتؤمنون.

فَما: الفاء استئنافية، ما نافية.

جَزاءُ: مبتدأ مرفوع.

مِنْ: اسم موصول في محل جر بالإضافة.

يَفْعَلُ: فعل مضارع والفاعل هو.

ذلِكَ: اسم إشارة في محل نصب مفعول به.

مِنْكُمْ: متعلقان بمحذوف حال أي حال كونه منكم. والجملة صلة الموصول لا محل لها.

إِلَّا: أداة حصر.

خِزْيٌ: خبر جزاء والجملة مستأنفة.

فِي الْحَياةِ: متعلقان بخزي.

الدُّنْيا: صفة للحياة.

وَيَوْمَ: الواو استئنافية، يوم مفعول فيه متعلق بيردون.

الْقِيامَةِ: مضاف إليه.

يُرَدُّونَ: الجملة مستأنفة.

إِلى أَشَدِّ: متعلقان بيردون.

الْعَذابِ: مضاف إليه.

وَمَا: الواو استئنافية، ما الحجازية تعمل عمل ليس.

اللَّهُ: لفظ الجلالة اسمها.

بِغافِلٍ: الباء حرف جر زائد، غافل اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس.

عَمَّا: ما اسم موصول في محل جر بحرف الجر متعلقان بتعلمون. والجملة مستأنفة

(تَعْمَلُونَ) صلة الموصول

تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ: يقتل بعضكم بعضاً.

تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ أي بعضكم، ومن قتل غيره فكأنما قتل نفسه، فهو مجاز.

تَظاهَرُونَ: تتظاهرون أي تتعاونون عليهم.

بِالْإِثْمِ: بالمعصية أو الذنب: وهو الفعل الذي يستحق فاعله الذم واللوم.

وَالْعُدْوانِ: الظلم والاعتداء.

أُسارى: أسرى جمع أسير، أي مأسورين.

تُفادُوهُمْ: تنقذوهم من الأسر بالفداء من مال أو غيره، وهو مما عهد إليهم.

خِزْيٌ: هوان وذل.