جاء هنا بهذه الآيات بما يتعلّق بسيّدنا موسى عليه السَّلام؛ لأنّ الجدل وكلّ ما يتعلّق بالتّحليل والتّحريم كان يقوده اليهود في المدينة ضدّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعندما جاء النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه الوصايا العشر دحض بها حجج اليهود وأحبارهم الّذين كانوا يناقشونه، لذلك قال كعب الأحبار عندما نزلت هذه الآيات: إنّها والله هي الوصايا العشر الّتي كانت في التّوراة.
﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾: نحن نعلم بأنّ ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطفٍ تأتي للتّراخي الزّمنيّ، فهل تعني هنا أنّ الله سبحانه وتعالى آتى موسى عليه السَّلام الكتاب بعد أن آتى محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الأوامر؟ الجواب: بالتّأكيد لا، فهذا عدم فهمٍ باللّغة العربيّة، فكما أنّ: ﴿ثُمَّ﴾ تأتي حرف عطفٍ لترتيب الأفعال والأحداث، فكذلك تأتي أيضاً لترتيب الأخبار، فتقول مثلاً: أنا فعلت معك كذا وكذا، ثمّ قد كنت فعلت مع أبيك كذا وكذا، وثمّ قد كنت فعلت مع جدّك كذا وكذا.. فإذاً تتصاعد الأخبار، إذاً هنا هي ليست لترتيب الأفعال والأحداث، وإنّما لتصاعد الأخبار، والدّليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الأعراف]، هو أوّلاً قال للملائكة: اسجدوا لآدم، وقبلها كان قد صوّرنا، وقبلها كان قد خلقنا، فإذاً هذا تصاعد الخبر، فالمعنى: عندما قلنا للنّبيّ الوصايا العشر، ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ وسابقاً آتينا موسى عليه السَّلام الكتاب.