القرآن الكريم له ترتيب نزولٍ وله ترتيبٌ مصحفيّ، أي (الفاتحة) ثمّ (البقرة) ثمّ (آل عمران) ثمّ (النّساء) ثمّ (المائدة).. هذا يسمّى ترتيبٌ مصحفيّ، رتّبه سيّدنا جبريل عليه السَّلام للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أمّا ترتيب النّزول فليس بهذا الشّكل، فقد نزلت أوّل آية: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق]، لماذا هناك ترتيب نزولٍ وترتيبٌ مصحفيّ؟ لماذا لم يرتَّب القرآن الكريم كما نزل من أوّل آيةٍ نزلت حتّى آخر آية نزلت قبل وفاة النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ الجواب: لأنّ القرآن الكريم منهجٌ ومعجزةٌ، فلو كان منهجاً فقط لرُتّب كما نزل، ولكنّه معجزةٌ خالدةٌ دائماً، فمن مقتضيات الإعجاز ترتيبه بهذا الشّكل المعروف، وهناك إعجازٌ في أحرف القرآن، وإعجازٌ في كلّ آيةٍ عندما وضعت في هذا المكان، وإعجازٌ عدديٌّ وعلميٌّ وإعجازٌ لغويٌّ وبيانيٌّ وتاريخيٌّ..
فهذا التّرتيب للسّور رتّبه جبريل عليه السَّلام وسمّي توقيفيّاً، أي هكذا أوقفه جبريل عليه السَّلام، فقد عرض القرآن الكريم على النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وراجعه معه صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان في آخر سنة قبل وفاته صلَّى الله عليه وسلَّم مرّتين كما رتّبه جبريل عليه السَّلام، فعندما نأخذ القرآن بالطّريقة التي رتّبه فيها جبريل عليه السَّلام نرى فيه الإعجاز والدّواء لكلّ داء، وترى فيه السّنن الكونيّة، والقصص القرآنيّ، والأحكام الكليّة، والآيات المتشابهات، والآيات المحكمات.. ويبقى التّرتيب حسب ما رتّبه سيّدنا جبريل عليه السَّلام لا حسب النّزول حتّى يبقى الإعجاز فيه إلى أن تقوم السّاعة.
سمّيت هذه السّورة سورة (المائدة)؛ لأنّ فيها قصّة الدّعاء الّذي دعاه المسيح عليه السَّلام عندما طلب منه الحواريّون أن ينزل عليهم مائدةً من السّماء فقال: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المائدة: من الآية 114]، تبدأ السّورة بقوله سبحانه وتعالى: