بين يدي التفسير

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على سيّدي رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص] ويقول نبيّنا الأعظم عليه وعلى آله أفضل الصّلاة والتّسليم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»([1]).

وبعدُ: فهذه محاولة تدبّرٍ لآيات كتاب الله سبحانه وتعالى، وهي ليست تفسيراً للقرآن الكريم؛ لأنّ القرآن الكريم لم يفسّره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو من نزل على قلبه، ولا يمكن أن نسمّي أيّ تدبّرٍ أو أيّ تبحّرٍ أو أيّة قراءة وفهم لكتاب الله سبحانه وتعالى تفسيراً؛ لأنّ كتاب الله جاء لكلّ زمان ومكان، ولم يأت لمرحلةٍ زمنيّةٍ معيّنةٍ، ولو أنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أراد أن يفسّر القرآن الكريم لفعل، فهو الّذي أخذ به وعمل، لكنّه صلَّى الله عليه وسلَّم اكتفى بأن بيّنه وشرح مُحكمه، وترك العطاء القرآنيّ لبقيّة الأجيال لتكتشف كنوزه وإعجازه بحسب زمانها ومكانها، واكتفى عليه الصّلاة والسّلام بأن فسّر آيات الأحكام الضّروريّة للنّاس في ذلك الزّمان، وترك الآيات مكتنزة بعطائها العلميّ والفكريّ والرّوحيّ، كي يستطيع العقل البشريّ في كلّ مكانٍ وزمانٍ أن ينهل منه حسب حاجته ومستوى فكره في كلّ عصرٍ وزمان.

ولو فسّره صلَّى الله عليه وسلَّم لأفرغ عطاء القرآن كلّه في زمنٍ واحدٍ، والقرآن الكريم معجزة خالدة تتماشى مع العقول البشريّة بحسب زمانها وعصرها.

وقد اكتفى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأن بيّن للنّاس الأحكام الّتي يحتاجونها بحسب ما تطيقه عقولهم في زمانهم، وترك الكثير من الآيات المتعلّقة بالعلم وأسراره.