﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾: تكلّم المولى سبحانه وتعالى في الآيات السّابقة عن المنافقين من العرب الّذين كانوا في المدينة المنوّرة، وهنا يتكلّم سبحانه وتعالى عن الأعراب، فما الفارق بين العرب والأعراب؟ العرب هم سكّان المدن والقرى المتوطّنون في أماكن يذهبون منها ويعودون إليها، وفيها بيوتهم الثّابتة بشكلٍ مستقرٍّ، لكنّ الأعراب هم سكّان البوادي، وليس لهم استقرارٌ في مكانٍ، إنّما يتتبّعون مواضع الكلأ، ومفرد كلمة الأعراب: أعرابيّ، وليس عربيّ.
وقد أخبر المولى سبحانه وتعالى بأنّ الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً من غيرهم؛ وذلك لقسوة قلوبهم وجفائهم وبُعدِهم عن العلم ومجالس الإيمان.
﴿وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾: أي أحقّ ألّا يعلموا حدود ما أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله الكريم ﷺ؛ لأنّهم بعيدون عن مجالس الرّسول ﷺ، فمعرفة حدود ما أنزل الله سبحانه وتعالى من الأوامر والنّواهي والحلال والحرام يأتي من التّواصل مع رسول الله ﷺ ومع صحابته الكرام، وهذا لا يتأتّى بالتّنقّل من مكانٍ إلى مكانٍ، بل لا بدّ من الاستقرار.
وعندما نتحدّث عن العروبة يجب أن نفرّق بين العروبة والأعراب، فعندما سُئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن نجد قال: «وبها يطلع قرن الشّيطان»([1])، وكان فيها الأَعراب، لذلك عندما نجد من انحرف عن سيرة وسنّة وسلوك النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام نقول: هؤلاء أعرابٌ، ولا نقول عنهم: إنّهم عربٌ، والعروبة بالنّسبة إلينا قضيّةٌ مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالإسلام وبكلام الله سبحانه وتعالى ، قال الله عز وجل: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ]يوسف[، فأشرف لغةٍ على وجه الأرض هي اللّغة العربيّة، وشرّفها الله سبحانه وتعالى بأن جعلها الوعاء لكلامه سبحانه وتعالى ، يقول ﷺ: «أحبّوا العرب؛ لأنّي عربيّ والقرآن عربيّ وكلام أهل الجنّة عربيّ»([2])، وقال سبحانه وتعالى :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ]الزّخرف[، وقال جلّ وعلا: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ ]الشّعراء[، ونحن نتمسَّك باللّغة العربيّة بتمسّكنا بكتابنا وبنبيّنا ﷺ وبديننا وإسلامنا، فلا فصل على الإطلاق بين العروبة والإسلام.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾: أي أنّه يعلم كلّ شيءٍ، وهو حكيمٌ يضع الأمور في مكانها الصّحيح.
([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الاستسقاء، باب ما قيل في الزّلازل والآيات، الحديث رقم (990).