﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ﴾: حين يُنزل الله سبحانه وتعالى الكتب على رسله، تبلّغه الرّسل ويحمِله أولو العلم ليبلّغوه للنّاس، فالّذين يكتمون ما أنزل الله إنّما يصادمون منهج السّماء، ويصبحون عوائق لمنهج الله الّذي جاء لينظّم حركة الحياة، وهذا لا يتأتّى إلّا من إنسان يريد أن يتمتّع بباطل الحياة وزخارفها على حساب النّاس وأكل حقوقهم.
وما نفعهم في ذلك؟ لا بدّ أنّه يوجد لهم نفع، هذا النّفع هو الثّمن القليل، مثل (الرّشوة)، أو الأشياء الّتي كانوا يأخذونها من أتباعهم ليحرِّفوا ويُبدِّلوا أحكام الله على مقتضى شهوات النّاس، فالله يبيّن لهم: أنّ الشّيء لا يُثمّنه إلّا من يعلم حقيقته، وأنتم تُثَمّنون منهج الله، ولا يصّح أن يُثَمِّن منهج الله إلّا الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك يجب أن يكون الثّمن الّذي وضعه الله لتطبيق المنهج ثمناً مربحاً مقنعاً لكم، فإن أخذتم ثمناً على كتمان منهج الله وأرضيتم النّاس بأحكام توافق أهواءهم وشهواتهم، فقد خسرتم في الصّفقة؛ لأنّ ذلك الثّمن مهما علا بالتّقدير البشريّ، فهو ثمن قليل وعمره قصير، والأثمان عادة تبدأ من أوّل شيء مرتبط بحياة الإنسان والّذي به قوام حياته من مأكل ومشرب، لذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ﴾، وإذا كانوا يأكلون في بطونهم ناراً، فكيف يكون استيعاب البطون لتلك النّار؟
المؤمن كما قال الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم يأكل في مَعي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء، أي أنّ الكافر لا يأكل إلّا تلذّذاً بالطّعام؛ فهو يريد أن يتلذّذ به دائماً حتّى يضيق بطنه بما يدخل فيه، لكن المؤمن يأخذ من الطّعام بقدر قوام الحياة، فسيّد الخلق محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في الحديث الشّريف: “ما ملأ آدميّ وعاء شراً من بطن، حسب الآدميّ لُقَيمات يُقِمن صلبه“([1]). إذاً فالأكل عند المؤمن هو لمقوّمات الحياة وكوقود لحركته، ولكن الكافر يأخذ الأكل لمتعة ذاتيّة، قال تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُم﴾ [محمّد: من الآية 12].