الآية رقم (16) - أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا): أم هنا إضرابيّة؛ أي ما كان الله سبحانه وتعالى أن يترككم من غير اختبار.

(وَلَمَّا يَعْلَمِ): هذا علم الحجّة، فالله سبحانه وتعالى يعرف ولديه علمٌ كاشفٌ، لكنّ الله سبحانه وتعالى لا يحاسب النّاس على علمه الأزليّ الكاشف، وإنّما يُحاسبهم على أعمالهم، فعندما يقول سبحانه وتعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران]، هذا علم الحُجّة على النّاس يوم القيامة.

(وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ): وليجة على وزن فعيلة؛ أي بطانة سوءٍ، فقد كان هناك أقرباء وصلات رحم بين المشركين في مكّة المكّرّمة وبين المسلمين الّذين ذهبوا إلى المدينة المنوّرة، إضافةً إلى حركات النّفاق الّتي بدأت تظهر في المجتمع بعد أن دخل في الإسلام عددٌ من القبائل العربيّة وقويت شوكة الإسلام، لذلك لا بدّ من أن يكون هناك اختبارٌ إيمانيٌّ، فالإنسان يتعرّض للابتلاءات وهذه سنّة الله سبحانه وتعالى في خلقه، وهنا أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لهم: إيّاكم أن تعتقدوا أنّكم ستتركون قبل أن يجعل الله تعالى حُجّةً عليكم ببيان فحوى إيمانكم.

(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ): لأنّه لا تخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السّماء، فهو يعلم السّرّ وأخفى.

أَمْ: حرف عطف يفيد الإضراب.

حَسِبْتُمْ: فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل.

أَنْ: حرف ناصب.

تُتْرَكُوا: مضارع مبني للمجهول منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والواو نائب فاعل، والمصدر المؤول من أن والفعل سد مسد مفعولي حسب.

وَ: الواو حالية.

لَمَّا: حرف جازم.

يَعْلَمِ: مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر منعا لالتقاء الساكنين.

اللَّهُ: لفظ الجلالة فاعله.

الَّذِينَ: اسم موصول مفعوله، والجملة في محل نصب حال

جاهَدُوا مِنْكُمْ: صلة الموصول.

وَلَمْ يَتَّخِذُوا: مضارع مجزوم والواو فاعل.

مِنْ دُونِ: متعلقان بالفعل.

اللَّهُ: لفظ الجلالة مضاف إليه.

وَلا رَسُولِهِ: اسم معطوف.

وَلَا الْمُؤْمِنِينَ: عطف.

وَلِيجَةً: مفعول به، والجملة معطوفة.

وَاللَّهُ خَبِيرٌ: الجملة مستأنفة.

بِما تَعْمَلُونَ: المصدر المؤول بخبير أو ما موصولة والجملة صلة.

أَمْ: بمعنى همزة الإنكار، والمعنى: أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلّص منكم، وهم الذين جاهدوا في سبيل الله، لوجه الله.

وَلِيجَةً: أي بطانة من قوم ليس منهم، والمراد هنا: من الذين يضادون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين رضوان الله عليهم.

وَلَمَّا: أي لم، ومعناها التوقع، أي إن تبين ذلك وإيضاحه متوقع كائن، وإن الذين لم يخلصوا دينهم لله، يميز بينهم وبين المخلصين.

وَلَمَّا يَعْلَمِ: المراد نفي المعلوم الموجود لا نفي العلم.

وقال السيوطي: المراد علم ظهور.

والمعنى: ولم يظهر المخلصون وهم الموصوفون بما ذكر من غيرهم.