حينما نقرأ كلمة: (أَرَأَيْتَ)فلنعلم أنّ بعدها أمراً عجيباً، فهذه الآية بعد قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى _ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، فكأنّها حيثيّةٌ للحكم بالطّغيان.
نزلت هذه الآية في أبي جهلٍ الّذي نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الصّلاة وهدّده بأنّه سيفعل به كذا وكذا إذا ذهب وصلّى في الكعبة المشرّفة، وهو لا ينهى شخصاً عاديّاً، إنّما ينهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهلٍ: هل يعفّر محمّدٌ وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللّات والعزّى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته، أو لأعفرنّ وجهه في التّراب، قال: فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يصلّي زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إنّ بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً»، قال: فأنزل الله عزَّ وجل: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى _ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى _ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى _ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى _ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ ([1])، فهذه الحادثة وقعت بالفعل، والقرآن الكريم يرويها بعد وقوعها، ومع ذلك لم يقل: (أرأيت الّذي نهى)، بل قال: (يَنْهَى)، استخدم الفعل المضارع الدّالّ على حال استحضار الصّورة، كأنّها أمامك؛ أي كلّ من ينهى. بعد ذلك يلفت المولى سبحانه وتعالى إلى النّهي فيقول:
([1]) صحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب قوله: إنّ الإنسان ليطغى… أن رآه استغنى، الحديث رقم (2797).