الآية رقم (64) - قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

وهذه آية عظيمة فالإسلام والقرآن الكريم يكرّم السّيّدة مريم العذراء والسّيّد المسيح، ويريد أيضاً أن يكون هناك توحيد للكلمة بين المسلمين والمسيحيّين، واجتماع الكلمة يكون على أن نعبد الله وحده، ولا نُشرك به أحداً.

(وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ): أي لا نجعل من بعضنا مشرِّعين يضعون الحلال والحرام، فذلك إنّما يكون من عند الله سبحانه وتعالى فقط.

الآية رقم (75) - وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

(بِقِنطَارٍ):  القنطار هو: القدر الكبير من المال.

(يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ): قيل: المقصود هنا النّصارى.

(وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ): قيل: المقصود هنا  اليهود.

(إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا): أي لا يؤدّي الأمانة إلّا بعد الملاحقة.

(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ): المقصود بالأمّيّين أهل مكّة والموجودون في المدينة، والكلام هنا عن اليهود والمسلمين. فاليهود يقولون: لا نرجع الأمانات للأمّيّين، فهم شرّعوا لأنفسهم التّفرقة في أداء الأمانة بين الأمّيّين وبين مَن كان على دينهم.

(وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ): يعلمون أنّه كذب وينسبون ذلك لله، سبحانه وتعالى عمّا يقولون علّواً كبيراً، يقولون: إنّهم شعب الله المختار وهم كاذبون.

الآية رقم (86) - كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

سبب النّزول: عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه: أن سَلوا لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم: هل لي من توبة؟ قال: فنزلت: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) إلى قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) أي: قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرّسول، ووضح لهم الأمر، ثمّ ارتدّوا إلى ظلمة الشّرك، فكيف يستحقّ هؤلاء الهداية بعد ما تلبّسوا به من العماية؟! ولهذا قال بعدها: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

الآية رقم (65) - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

إنّ إبراهيم عليه السلام لا يمكن أن يكون يهوديّاً كما يدّعي اليهود، فاليهوديّة جاءت من بعده، وكذلك النّصرانيّة، فلمَ المحاجّة إذاً؟ لقد أُنزلت التّوراة والإنجيل من بعد إبراهيم عليه السلام، فكيف يكون تابعاً لهما؟!

الآية رقم (76) - بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

جاء قوله تعالى: (بَلَى) لينقض ادّعاء اليهود أنّه ليس عليهم في الأمّيّين سبيل.

 

الآية رقم (87) - أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

أي: يلعنهم الله ويلعنهم خلقه، واللّعنة: هي الطّرد من الرّحمة.

الآية رقم (66) - هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ

والخطاب ما زال مستمرّاً لبني إسرائيل، يقول الله سبحانه وتعالى لهم: لقد جادلتم فيما بقي عندكم من التّوراة، وتريدون أن تأخذوا الجدل على أنّه باب مفتوح، فتجادلوا في كلّ شيء، وأنتم لا تعلمون ما يعلمه عالم الغيب والشّهادة جلّ وعلا.

الآية رقم (77) - إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

عهد الله: المقصود به العهد الموجود في التّوراة. فإذاً كلّ ما آمنوا به بالنّسبة للتّوراة وما جاء فيها من أوصاف النّبيّ صلَّى الله عليه وسلّم ووجوب اتّباعه حين بعثته نقضوه واشتروا به ثمناً قليلاً، فما هو الثّمن القليل؟

سبب النّزول:

قيل: إنّ جماعة في عهد جدب ومجاعة دخلت على كعب بن الأشرف اليهوديّ يطلبون منه الميرة -أي الطّعام- فقال لهم: هل تعلمون أنّ هذا الرّجل رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: إنّي هممت أن أطعمكم وأن أكسوكم، ولكنّ الله حرمكم خيراً كثيراً، فتساءلوا: لماذا؟ فكانت الإجابة: لقد أعلنتم الإيمان بمحمّد، فلمّا وجدوا أنفسهم في هذا الموقف، قالوا لكعب ابن الأشرف: دعنا فترة؛ لأنّه ربّما غلبتنا شبهة، فلنراجع فيها أنفسنا، وعندما مرّت الفترة فضّلوا الطّعام والكسوة على الإيمان، وقالوا لكعب بن الأشرف: لقد قرأنا في كتبنا الموجودة لدينا خطأ، ومحمّد ليس رسولاً، فأعطاهم القوت والكسوة. وهؤلاء هم الّذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وهو الطّعام والكسوة.

الآية رقم (88) - خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ

(خَالِدِينَ فِيهَا): أي: في اللّعنة.

(لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي: لا يفتّر عنهم العذاب ولا يخفّف عنهم ساعة واحدة.

الآية رقم (67) - مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

(ما كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا): وهذا تأكيد أنّ إبراهيم عليه السلام لم يكن يهوديّاً؛ لأنّ اليهوديّة جاءت من بعده، ولم يكن نصرانيّاً؛ لأنّ النّصرانيّة جاءت من بعده.

(وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا): معنى حنيفاً أي مائلاً عن الشّرك إلى التّوحيد.

الآية رقم (46) - وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ

هنا يُعطي صورة للسّيّد المسيح قبل أن يولد، فهو يكلّم النّاس في المهد، والمهد هو مكان إيواء الطّفل، إذاً سيكلّم النّاس وهو رضيع، وهذا أمر معجز، أمّا قوله سبحانه وتعالى: (وَكَهْلا) فهو إشارة إلى أنّه سيتكلّم بما يوحيه الله إليه، وإلّا فإنّ جميع النّاس تتكلّم أثناء الكهولة.

الآية رقم (25) - فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

جمعناهم ليوم الحشر، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشّعراء]، إذاً هذا اليوم الّذي هو يوم الدّين، يوم الحساب، هو اليوم الّذي تُفضح وتُنشر فيه الأعمال، ولا تُظلم نفس شيئاً، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ). [الأنبياء].

الآية رقم (57) - وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

كلّ آيات القرآن الكريم الّتي تتحدّث عن الإيمان تجمع بين الإيمان والعمل الصّالح؛ لأنّ عنوان الإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل.

(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ): الله سبحانه وتعالى لا يحبّ أو يكره إنساناً بذاته، وإنّما يكون ذلك حسب عمله، فإذا كان ظالماً لنفسه أو ظالماً لغيره فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يحبّه، كما بيّن القرآن الكريم: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) [النّجم]؛ لذلك الإسلام ليس شعارات وليس فقط عبادات وإنّما هو عمل صالح.

الآية رقم (36) - فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

(قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ): إذاً هي وضعت أنثى لم تضع ذكراً.

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ): فهي لا تخبر الله سبحانه وتعالى، وإنّما تشتكي إلى الله بأنّها وضعت أنثى، وأنّها نذرت وليدها لخدمة البيت المقدّس فإذا هو أنثى.

 (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ): من الّذي قال: ليس الذّكر كالأنثى؟ اختلف العلماء في ذلك: هل هي الّتي قالت: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ) أم أنّ القائل هو الله تعالى، تصحّ هذه وتصحّ تلك، لكن لو أنّنا حلّلنا هذه الآية، فإن كان هذا قول والدة السّيّدة مريم لكانت قالت: (ليست الأنثى كالذّكر)؛ لأنّك تضرب بالمثل المشّهود فلا تقول: (ليس الذّكر كالأنثى)؛ لذلك على أرجح الأقوال أنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي يقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ) لماذا؟ لأنّ هذه الأنثى أفضل من كلّ ذكور الأرض باستثناء الأنبياء، هذه الأنثى لن تكون لمجرّد خدمة شعائر، بل ستأتي بنبيّ من دون أب، فإذاً ليس الذّكر كالأنثى فأيّ ذكر سيأتي ليس كالأنثى الّتي أتت والّتي هي السّيّدة مريم، هي كانت تريد ولداً لخدمة الشّعائر، لكنّ الله سبحانه وتعالى جعلها لمساندة العقائد.

(وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ): اسم مريم يعني عابدة، وأوّل من يعترض العبوديّة هو الشّيطان؛ لذلك قالت: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

إذاً هي أعاذت مريم والمسيح عليه السلام من الشّيطان الرّجيم.

الآية رقم (47) - قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ

السّيدة مريم هي مَن قال لسيّدنا زكريّا عندما سألها عن مصدر الرّزق الّذي يجده عندها: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ. إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) فكان من الطّبيعيّ أنّها مهيّئة لاستقبال البشارة بولد، لكن عندما يحدث الأمر الّذي سيهزّ أعماق السّيّدة الطّاهرة مريم فمن الطّبيعيّ ستقول: (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)؛ لأنّ الإنجاب يكون نتيجة التقاء ذكر وأنثى.

الآية رقم (26) - قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

(قُلِ): نقل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القرآن بحرفيّته، ولم يحذف منه شيء، وهذا من إعجاز كتاب الله، ومن دقّة وصدق تبليغ سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

هناك مِلك ومُلك وملكوت، أمّا الملكوت فهو عالم الغيب، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام].

(مَالِكَ الْمُلْكِ): يوجد مالك ويوجد مَلِك، المالك الّذي يملك الشّيء الشّخصيّ أو الفرديّ، أمّا الملك فهو يملك من يملك، يعني الّذي يملك البلاد يُسمّى ملكاً، أمّا المالك فهو مالك السّيّارة أو الثّوب.. لذلك في سورة (الفاتحة) يوجد قراءتان لكلمة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)  [الفاتحة]، فتقرأ: (مالك يوم الدّين)، وتُقرأ: (ملك يوم الدين)؛ لأنّ الملكيّة الحصريّة ليوم الدّين هي لله، لا يستطيع أحدٌ أن يدّعي ملكيّتها؛ لذلك قال: مالك.

الله سبحانه وتعالى هو الّذي يملك الكلّ، فهو الملك المتصرّف بكلّ المخلوقات.

الآية رقم (58) - ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ

(ذَلِكَ): أي كلّ ما سبق أخبار.

(نَتْلُوهُ عَليْكَ): كلمة تلاوة من تلا الشّيء، أي اتّبعه، فالتّلاوة ليست فقط ترداد كلمات، وإنّما فيها معنى الاتّباع.

(مِنَ الآيَاتِ): آيات يعني معجزات.

(وَالذِّكْرِ): والذّكر هو القرآن الكريم، قالسبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)   [الحجر]، سمّي القرآن الكريم ذكراً؛ لأنّه كلام الله سبحانه وتعالى، فأنت عندما تقرأ القرآن الكريم فكأنّك تسمع من الله سبحانه وتعالى، فأنت تذكره، والذّكر ضدّ النّسيان.

(الْحَكِيمِ)؛ لأنّه سبحانه وتعالى يضع الأمور في مواضعها.

الآية رقم (37) - فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ

(رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ): هذا النّذر الّذي نذرته قَبِله الله سبحانه تعالى برضا، هذا هو القبول الحسن.

(وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا): كيف يتمّ الإنبات؟ يتمّ أوّلاً بالسّقية المباركة وبالتّدريج، إذاً أنبتها الله سبحانه وتعالى نباتاً حسناً من لدنه، فكانت رعاية السّيّدة مريم من دون أسباب، بل من المسبّب مباشرة.

(وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا): هنا أوّل بروز لاسم زكريّا عليه السَّلام في القرآن الكريم، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل، وهو زوج خالة السّيّدة مريم، فهو من كفلها؛ لأنّه كان هناك عادة في ذلك الوقت بموضوع الكفالة، اختصموا من سيكفلها وكفلها زكريّا، كما سيمرّ معنا: (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران: من الآية 44].

الآية رقم (48) - وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ

(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ): ما المقصود بالكتاب؟ قال العلماء: المقصود كلّ الكتب السّابقة، مثل صحف إبراهيم والزّبور..؛ لأنّها من لدن إله واحد؛ لأنّ العقائد والجنّة والنّار والقصص كلّها واحدة في كلّ الكتب السّماويّة، في القرآن والإنجيل والتّوراة وصُحف إبراهيم والزّبور.

(الْحِكْمَةَ): وهي كلّ ما يجري على لسان السّيّد المسيح من أقوال وأفعال.

(وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ): يعلّمه الكتب السّماويّة السّابقة والحكمة والتّوراة والإنجيل.

الآية رقم (27) - تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ

أراد الله سبحانه وتعالى أن يبيّن للنّاس أنّ الـمُلك ونزع الـمُلك، والعزّ والذّلّ بيده، ودلّل على ذلك بأمور كونيّة، فجاء بثلاثة أمور:

1- إيلاج اللّيل بالنّهار، والوليجة البطانة، والمقصود دخول اللّيل بالنّهار ودخول النّهار باللّيل، وهو أمر مشاهد في كلّ يوم.

2- وإخراج الحيّ من الميّت وإخراج الميّت من الحيّ، هو أمر معلوم ومشاهد للنّاس؛ لأنّهم يرون الموت في كلّ لحظة ويرون الولادة في كلّ لحظة.

3- أمّا الرّزق فإنّ النّاس يعيشون بأسباب الرّزق، والله سبحانه وتعالى يرزق النّاس جميعاً بغير حساب.