الآية رقم (159) - وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

كان الحديث عن سيّدنا موسى عليه السّلام ثمّ انتقل إلى الحديث عن الرّسول النّبيّ الأمّي صلّى الله عليه وسلّم وعن رسالته للبشريّة جمعاء، وعن أهداف هذه الرّسالة وعطاءاتها، وعن الطّريق للوصول إلى ربّ الكون عن طريق سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ عاد إلى الحديث عن سيّدنا موسى عليه السّلام حتّى تتكامل وتتعاضد الرّسالات:

﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ﴾: ليس كلّ قوم موسى عبدوا العجل وكانوا جاحدين.

﴿أُمَّةٌ﴾: أي مجموعةٌ.

﴿يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾: يسيرون على طريق الحقّ ويهدون به.

﴿وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾: يحكمون به بهذا الطّريق ويعدلون بين النّاس فيه.

الآية رقم (160) - وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا﴾: السّبط هو الحفيد ولد الولد، والأسباط هم أبناء يعقوب (إسرائيل) عليه السّلام، يُطلق عليهم بنو إسرائيل، أولادهم هم الّذين جاؤوا من نسل يعقوب عليه السّلام، وأولاد يعقوب عليه السّلام هم يوسف وإخوته وعددهم اثنا عشر.

﴿أُمَمًا﴾: اليهود حتّى هذه اللّحظة مقطّعين بأنحاء الأرض؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قطّعهم أسباطاً أمماً.

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾: بالتّيه، كانوا بالصّحراء فأصابهم عطشٌ شديدٌ فطلبوا من سيّدنا موسى السّقيا فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن اضرب بعصاك الحجر، عصا موسى قبل ذلك ضرب بها البحر، إذاً بالشّيء ذاته الله سبحانه وتعالى أنجا وأغرق عندما ضرب البحر فانفلق فكان كلّ فرقٍ كالطّود العظيم، وهنا عندما طلبوا السّقيا قال له: اضرب الحجر بالعصا ذاتها.

الآية رقم (161) - وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ

﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ﴾: القرآن الكريم لم يبيّن أيّ قريةٍ، القرية؛ أي تجمّع سكنيّ.

﴿وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ﴾: أعطاهم الله سبحانه وتعالى فيها كلّ أنواع الثّمرات والطّعام.

﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾: هو دعاءٌ، يا ربّ، حطّ عنّا خطايانا وذنوبنا.

﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾: كان لكلّ قريةٍ بابٌ، فعند الدّخول يجب أن تكونوا ساجدين خاضعين لله سبحانه وتعالى.

﴿نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ﴾: مرّ بنا شبيه بهذه الآية في سورة (البقرة)، ويعتقد الإنسان عندما يقرأ القرآن الكريم أنّ هناك تكراراً، فما الفارق بين الآيتين؟ فبالكلمة الواحدة أو بحرف عطف يتغيّر المعنى.

الآية رقم (162) - فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ

هؤلاء الّذين ظلموا أنفسهم بدّلوا قولاً غير الّذي قيل لهم، فماذا قيل لهم؟ قيل لهم: قولوا حطّة، فأصبحوا يطالبون بالطّعام ويقولون: (حنطة) بدّلوا قولاً غير الّذي قيل لهم.

﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾: رجزاً؛ أي عذاباً من السّماء، وقد جاءت في سورة (المدّثر) بمعنى الذّنوب، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدّثر]، وهنا الرّجز العذاب؛ أي نتيجة الذّنوب، وذلك نتيجة لظلمهم وعتوّهم وطغيانهم ونقضهم للمواثيق.

الآية رقم (163) - واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ

﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ﴾: السّؤال من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو سؤال توبيخٍ وتقريعٍ، وهو سؤال من يعلم، الّذي علّمك هو من أرسلك يا محمّد، وعندما يسأل فإنّما يسأل ليقرّر واقعةً، وبأنّ هذا الأمر موجودٌ في كتبهم؛ لأنّ النّقاش والجدال والمحاجّة الكثيرة كانت من يهود المدينة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكان يحاججهم بما في كتبهم.

﴿الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾: أي القرية المطلّة على البحر، حاضرة من حَضَر أي أنّه موجود، إذاً هي قريةٌ ساحليّةٌ على البحر.

﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾: أي يتجاوزون حدود الله سبحانه وتعالى ويعتدون في السّبت، وقضيّة السّبت هي أنّ الله سبحانه وتعالى جعل لليهود يوم السّبت يوم راحةٍ ومنعهم من العمل فيه، حيث كانوا في هذه القرية المطلّة على البحر يعملون بصيد السّمك.

الآية رقم (164) - وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

وهذا قانون صيانة الاحتمال، فبعضهم مؤمنون.

وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾:  منهم مجموعةٌ أصبحوا يقولون للّذين كانوا يعظون النّاس ويقولون لهم: لا يجوز أن تخالفوا أوامر الله سبحانه وتعالى ، ما دمتم تعلمون أنّهم لا يستجيبون لكم، والله سبحانه وتعالى  سيهلكهم؛ لأنّهم خالفوا الميثاق والأوامر، فما الفائدة من الموعظة؟

﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾: لدينا سببان: السّبب الأوّل أن يقدّموا العذر بين يديّ الله سبحانه وتعالى بأنّنا بيّنا ووضحّنا لهم، وأنّنا نصحناهم ووعظناهم، والسّبب الثّاني: لعلّهم يعودون عن غيّهم وعن ضلالهم وعن فسوقهم.

الآية رقم (165) - فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾: ذُكّروا: وعظوا ونُصحوا، ومع ذلك أعرضوا ونسوا.

﴿أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾: الّذين كانوا ينهون النّاس عن السّوء.

﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾: شديدٍ وأليم.

﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾: سبب الأخذ بالعذاب هو دائماً الفسوق والخروج عن طاعة الله سبحانه وتعالى، فالمولى سبحانه وتعالى يبعث الأنبياء والرّسل عليهم السلام مبشّرين ومنذرين ومذكّرين، ويكون بعد ذلك المصلحون في كلّ أمّةٍ يعظون وينهون النّاس عن السّوء، فعندما ينسى النّاس ويبتعدون يأتي العذاب وينجّي الله الّذين آمنوا بمفازتهم، فإذاً لم يظلمهم الله عزّ وجلّ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

الآية رقم (166) - فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ

﴿فَلَمَّا عَتَوْا﴾: أي أبوا وعصوا وتكبّروا.

﴿قُلْنَا لَهُمْ﴾: إذاً هو أمرٌ تكوينيّ.

﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾: قلب الله سبحانه وتعالى بكلمة ﴿كُن﴾ هؤلاء الّذين تكبّروا وعتوا إلى قردةٍ خاسئين مذلولين مخذولين، وهناك نقاشٌ كبيرٌ كيف تحوّلوا إلى قردة؟ هم تحوّلوا إلى قردة، وقالت كتب التّفسير: بأنّهم بعد ذلك ماتوا فليس لهم ذراري، نحن نصدّق ما جاء في القرآن الكريم بغضّ النّظر عن هذه التّفصيلات ما دام أنّ المولى سبحانه وتعالى قال: بأنّه جعلهم قردةً، فإذا أردت أن تناقش في هذه القضيّة وكيف كانت تفاصيلها، فنحن نؤمن بها كما ذُكرت في القرآن الكريم، فإذاً انقلبوا قردةً ليس كما يقول بعضهم: إنّه قلبٌ بالطّباع، وهذا هو العذاب البئيس الّذي أصاب العصاة منهم؛ ليكونوا عبرةً لكلّ أجيالهم ولمن كانوا معهم في ذلك الوقت، والجزء الآخر أنجاه الله سبحانه وتعالى .

الآية رقم (167) - وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ﴾: من الأذن وهي وسيلةٌ للإعلام، والأذان إعلامٌ بدخول الوقت؛ أي أنّ الله سبحانه وتعالى أعلم إعلاماً مؤكّداً لا ريب فيه.

﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: على شعب بني إسرائيل الّذين ضلّوا.

﴿مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾: سام؛ أي طلب العذاب.

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ﴾: أنت تعتقد أنّ العقاب مؤجّلٌ، لكنّ الحقيقة أنّ العقاب سريعٌ؛ لأنّ فترة مكوث الإنسان في الدّنيا مهما طالت فإنّها لحظاتٌ، ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النّازعات].

﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: المولى سبحانه وتعالى  يعاقب بما ظلم النّاس وبما فسقوا وبما عتوا وتكبّروا، ولكنّه أيضاً الغفور الرّحيم الّذي يغفر الذّنوب ويسترها، ويعطي من رحماته ومن عطاءاته الخير الكثير.

الآية رقم (168) - وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾: أي لا وطن لهم، فهم مقطّعين أمماً، فادّعاؤهم بأنّ لهم وطناً قوميّاً هو ادّعاءٌ باطلٌ لا أساس له، لا تاريخيّاً ولا إيمانيّاً ولا دينيّاً ولا جغرافيّاً.

﴿مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ﴾: من باب صيانة الاحتمال.

﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ﴾: أي أقلّ من ذلك سيّئون.

﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾: الاختبار يكون إمّا بالحسنة وإمّا بالسّيّئة، فإن أتتك الحسنة فتمرّدت فقد سقطت، وإذا شكرت فقد فزت، وإذا جاءتك سيّئةٌ فصبرت فقد فزت وإن جحدت وفجرت فقد رسبت.

﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾: هذه طبيعة الحياة الدّنيا يتقلّب الإنسان فيها بين نعيمٍ وجحيمٍ، بين فرحٍ وترحٍ، بين صحّةٍ ومرضٍ، بين شبابٍ وهرمٍ، بين غنىً وفقرٍ، الحياة الدّنيا هي دنيا أغيار؛ أي متغيّرة لا يدوم حالها على إنسانٍ مهما كان ومهما بلغ، لذلك فإنّها دنيا ابتلاء:  ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: من الآية 2]،  إذاً المهمّ هو الأعمال.

الآية رقم (169) - فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾: أي جاء بعدهم بالزّمن من يخلفهم، وعندما تأتي كلمة (خَلَف) بفتح اللّام تأتي بالخير، وهنا ﴿خَلْفٌ﴾: بسكون اللّام؛ أي بالسّوء.

﴿وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ﴾: أي يأخذون عرضاً زائلاً، الأدنى؛ أي الدّنيا.

﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾: أيّ عرضٌ زائلٌ يأخذونه.

﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾: ما جاء في التّوراة.

﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾: وقرؤوا ما فيه وعلموه.

﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: دار الدّنيا هي عرضٌ زائلٌ، الحياة الدّنيا هي متاع الغرور، والإنسان يستخدم عقله فيعلم أنّ الدّار الآخرة هي خيرٌ وأفضل؛ لأنّها دار دوامٍ لا تفنى ودار إقامةٍ وخلودٍ، فلذلك الدّار الآخرة خيرٌ للمتّقين الّذين جعلوا بينهم وبين غضب الله سبحانه وتعالى  حاجزاً ووقايةً بأنّهم نفّذوا أوامره سبحانه وتعالى  وامتنعوا عن نواهيه.

الآية رقم (170) - وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ

﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ﴾: يمسّك؛ أي يمسك بشدّةٍ؛ أي يمسكون الكتاب بقوّةٍ، والمقصود هنا التّوراة.

﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾: الصّلاة عماد الدّين؛ لأنّها صلةٌ بين العبد وبين الرّبّ وهي الصّلة مع الخلق.

﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ ؛ لأنّ صلاح الإنسان في الدّنيا يتعلّق بأمرين، التّمسّك بالكتاب وإقامة الصّلاة، وكما قلنا: الصّلاة صلةٌ مع الله وصلةٌ مع خلقه عزّ وجلّ، فإذا أردت أن تحسن الصّلة مع الخالق فعليك بحسن الصّلة مع المخلوق، فلا تعتدِ على أحدٍ ولا تسرق من أحدٍ ولا تزنِ ولا تنمّ على أحدٍ ولا تغتب أحداً ولا ترتشِ ولا تؤذ أحداً، أليس هذا إصلاحاً؟ هذا معنى الصّلاة الحقيقيّ.

الآية رقم (157) - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

قطع الحديث عن سيّدنا موسى عليه السّلام، وهذه عظمة القرآن الكريم، فهو لا يذكر لك قصّة موسى وشعب بني إسرائيل، وإنّما هي عظةٌ وعبرةٌ، هي وظائف إيمانيّةٌ وإيمانٌ متكاملٌ، فالرّسالات كلّها من لدن الله سبحانه وتعالى، فيتنقّل بين الرّسالات ليعطي الوظيفة الإيمانيّة للمؤمنين بالله سبحانه وتعالى ، فانتقل مباشرةً إلى قوله: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾؛ لأنّ اليهود كانوا أكثر المناوئين للإيمان بسيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعندما تحدّث عن الرّحمة ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ أردفها مباشرةً بقوله: ﴿الَّذِينَ﴾ من هم الّذين خصّهم الله سبحانه وتعالى بهذه الرّحمة؟ ﴿يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾: الرّسول؛ أي معه الرّسالة، والنّبيّ؛ أي أنّه مُنبّأ، هناك فارقٌ بين الرّسول والنّبيّ، هناك أنبياء كثر ليس لديهم رسالةٌ، وإنّما يأتون على إثر رسالة أنبياء سابقين، والنّبي صلّى الله عليه وسلّم هو رسولٌ ونبيّ.

الآية رقم (158) - قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾: رسالة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تعمّ الزّمان والمكان، فهي خالدةٌ عبر الأزمان، وهو رسولٌ للبشريّة كلّها ولم يأت لقومٍ محدّدين، فإذاً هذه رسالةٌ للبشريّة جمعاء؛ لذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: «أُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحدٌ قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يُبعَث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى النّاس عامّة»([1]).

﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: الله سبحانه وتعالى له مُلك السّماوات والأرض فهو الّذي يرسل الرّسول إلى أقوامٍ محدّدين أو إلى النّاس جميعاً.

الآية رقم (143) - وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ

﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا﴾: أي جاء عند ميقاتنا.

﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾: كلّمه الله سبحانه وتعالى، لكن علينا أن نضع الأمر المتعلّق بالله سبحانه وتعالى بأنّه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشّورى: من الآية 11]، علّمنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أنّه عندما نأتي إلى صفةٍ من صفات الله سبحانه وتعالى أو أمرٍ يتعلّق بجلاله سبحانه وتعالى يجب أن ننزّهه عن الشّبيه والمثيل، وموسى هو الكليم الّذي استمع، الله سبحانه وتعالى لا يكلّم مباشرةً، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشّورى]، ولكنّه كلّم موسى عليه السّلام بالكيفيّة الّتي تليق بكمالاته سبحانه وتعالى من غير أن نشبّه أو أن نعطّل، كلّم الله سبحانه وتعالى موسى عليه السّلام عندما خرج بأهله من مدين وجاء بهم قال سبحانه وتعالى: ﴿إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى *  إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ﴾ [طه]، وعندما كلّمه ربّه أَنِس موسى عليه السّلام بالله سبحانه وتعالى فأراد ما هو أكثر، فـ ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾: موسى طمح بشيءٍ لا يحقّ له أن يطمح به، لكنّه لم يقل: ربّ أرنِي إيّاك، أو ربّ اجعلني أراك، وإنّما قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾؛ أي أنّ موسى عليه السّلام يعلم أنّ تركيبته البشريّة لا تستطيع أن تحيط برؤية الله سبحانه وتعالى، فقال: أرني، إذاً أنا لن أرى بالبصر، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام]، لذلك قال: أرني أنت فأنا لا أستطيع أن أرى.

الآية رقم (144) - قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ

﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ﴾: أي استخلاص الصّفوة.

﴿بِرِسَالَاتِي﴾: الرّسالات كلّها تُجمع برسالةٍ.

﴿وَبِكَلَامِي﴾: الفارق بين موسى عليه السّلام وبين غيره من الرّسل أنّ ربّه كلّمه، بينما لم يصطفِ باقي الأنبياء عليهم السّلام بالكلام.

﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ﴾: يكفي أن تأخذ ما آتيتك، ولا تنظر إلى ما منعتك.

﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾: على هذه النّعمة العظيمة وهي أن يكلّمك المولى سبحانه وتعالى.

الآية رقم (145) - وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ

مازال الحديث عن سيّدنا موسى عليه السّلام، وكما قلنا: هذه المقاطع الّتي تحدّثت عمّا جرى مع موسى عليه السّلام وفرعون، وكيف خلّص موسى شعب بني إسرائيل، وبعد ذلك كيف ذهب بهم وأنجاهم الله سبحانه وتعالى من الغرق في البحر وأغرق فرعون، وكيف ترك موسى قومه ليذهب إلى ميقات الله سبحانه وتعالى وكلّمه الله سبحانه وتعالى وأعطاه الألواح والمواعظ:

﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ﴾: الكَتْبُ هو الرّقم بالقلم على ما يُكتب عليه، إن كان من ورقةٍ أو جلدٍ أو صفائح العظام كعظم الكتف، والألواح هي الشّيء الممدود الّذي يُكتب عليه بالقلم، وعندما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ﴾؛ أي ليس أنّ الله سبحانه وتعالى كتب بالقلم وإنّما الّذين يكتبون هم الملائكة، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: من الآية 12]، ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق].

الآية رقم (146) - سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ

قد يقول قائلٌ: ما دام الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، فما ذنبهم؟ الجواب: ذنبهم أنّهم تكبّروا بغير الحقّ، فمن الّذي يُصرف عن آيات الله سبحانه وتعالى ولا يهديه سبحانه وتعالى هداية المعونة؟ الجواب: هو المتكبّر في الأرض، وأوّل متكبّرٍ كان إبليس -لعنه الله- إذاً هذا السّبيل هو سبيل إبليس؛ لأنّه تكبّر عن السّجود لآدم عندما أمره الله سبحانه وتعالى، وقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾  ]الأعراف: من الآية 12[، هذا أوّل عنوانٍ للتّكبّر.

﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: الآية: المعجزة الدّالّة، إذاً سيصرف قلب المتكبّر الّذي تكبّر على الله سبحانه وتعالى فيرى الآية والمعجزة فينصرف عنها ولا يؤمن بها.

﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾: كلّما رأوا معجزةً أو آيةً دالّةً أو آيةً من القرآن الكريم فإنّهم لا يؤمنون بها.

﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾: لماذا؟ لأنّ الصّراط المستقيم هو سبيل الرّشد، وهو السّبيل السّليم والصّحيح والعاقل والرّشيد الّذي يؤدّي إلى الاستقامة، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصّلت]، طريق الإيمان: هو سبيل الرّشد؛ أي طريق الرّشد وعنوانه الاستقامة في الأقوال والأفعال.

﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾: عندما صرف الله سبحانه وتعالى عن آياته هؤلاء المتكبّرين فإنّهم تركوا سبيل الرّشد واتّجهوا باتّجاه سبيل الغيّ والضّلال والبهتان والزّور.

الآية رقم (147) - وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾: كذّبوا بآيات الله سبحانه وتعالى؛ أي بالمعجزات الدّالّة على الله سبحانه وتعالى، وكذّبوا بالآخرة، ولم يقل هنا: كذّبوا بالإيمان   بالله ولا بالملائكة ولا بالكتب ولا بالرّسل؛ لأنّ الآخرة هي العنوان بالنّسبة للإنسان، بأنّ هناك آخرةً، وهذه الآخرة فيها الحساب وفيها الثّواب على ما قدّم الإنسان في هذه الحياة، فلو تصوّر الإنسان أنّه لا توجد آخرة فستكون هناك مشكلةٌ كبيرةٌ بأنّ هذا الإنسان سمع من الرّسل عليهم السّلام ومن الكتب ومن كلّ مَن جاء من الصّالحين والمؤمنين أنّ هناك يوماً آخر، وأنّه بعد الموت سوف يُبعث ويُحاسب، ومع ذلك ترى من يقتل ومن يسرق ومن يعتدي على الأعراض والأموال… هذا وهو يعلم بأنّ هناك آخرة، فكيف لو لم يكن هناك آخرة؟! وهنا يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾؛ لأنّ لقاء الآخرة هو لقاء مع الله سبحانه وتعالى وهو يوم الحساب.

الآية رقم (148) - وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ

يتابع المولى سبحانه وتعالى الحديث عمّا جرى مع موسى عليه السّلام بعد أن ذهب لميقات ربّه أربعين ليلةً، فهذا القطع الّذي جرى بآيتين إنّما جاء ليؤكّد أنّ القصص القرآنيّ ليس كالقصص البشريّ، القصص القرآنيّ هو قصٌّ؛ أي تتبّع الأثر من أجل العبرة والعظة والوظيفة الإيمانيّة، إذاً يعود المولى سبحانه وتعالى ليتابع لنا ما جرى مع موسى عليه السّلام، فشعب بني إسرائيل الّذين تركهم موسى أربعين يوماً ماذا فعلوا؟

﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾: الحليّ: هو ما يُتزيّن به من الذّهب والجواهر، وكلمة حليّ تطلق عادةً على الذّهب، لكن هي ما يتزيّن به إجمالاً.

﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾: عندما ذهب لميقات ربّه.