الآية رقم (19) - قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ

اختلف الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم مع المشركين حول قضيّةٍ عقائديّةٍ أساسيّةٍ متعلّقةٍ بالإيمان والكفر، بالإيمان والإشراك، بتعدّد الآلهة أو بعدم وجود آلهةٍ، عندما يختلف الإنسان مع الآخرين المناوئين له يطلب حكماً وبيّنةً للخلافات، والشّهود هم إحدى البيّنات، فتصوّروا أنّ الله سبحانه وتعالى هو الشّاهد وهو الحكم وهو المنفّذ، هذا معنى قوله جلَّ جلاله: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً﴾، الله عزَّ وجلّ يشهد على صدق أنّه لا إله إلّا هو.

هذا الإيمان العميق في قلب النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أراد أن يرسله إلى النّاس وأن يبلّغهم إيّاه من خلال رسالته، رسالة الخير والرّحمة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ]، فهو مبعوثٌ للبشريّة جمعاء: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء]، فما كان لرحمة السّماء أن تكون وسيلةً لشقاء النّاس.

الآية رقم (9) - وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ

هم يؤمنون بخلقٍ اسمه الملائكة، والله سبحانه وتعالى أخبرنا عنهم، وأخبرنا عن خلقٍ آخر اسمه الجنّ، ونحن لا ندرك هذه العوالم لكنّنا نؤمن بها؛ لأنّ الّذي أخبرنا هو الخالق سبحانه وتعالى، وذلك يكفينا، وليس كلّ ما لا ندركه معناه أنّه غير موجودٍ.

﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً﴾: الاستعدادات البشريّة والعقليّة الموضوعة في جسد الإنسان لا تتحمّل رؤية مَلَك بهيئته الملائكيّة، فلو أراد إنزال مَلَكٍ لجعله بشراً مثل ما أتـى سيّدنا جبريل عليه السَّلام بصورة رجلٍ شديد بياض الثّياب، شديد سواد الشّعر.

الآية رقم (20) - الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: الكتاب هو التّوراة.

﴿يَعْرِفُونَهُ﴾: أي يعرفون النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويعرفون صدق بلاغه صلَّى الله عليه وسلَّم ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ﴾، قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: “والله إنّي لأعرف محمّداً، ومعرفتي لمحمّدٍ أشدّ من معرفتي لابني”، وذلك من جرّاء الأوصاف الّتي جاءت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في التّوراة.

﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ﴾: الخسارة هي ضياعٌ لرأس المال، أمّا خسارة النّفس فهي لا تعوّض، فهم خسروا أنفسهم؛ لأنّهم قدّموا شهواتهم في هذه الحياة الدّنيا على النّعيم الدّائم والباقي في الآخرة.

هؤلاء خسروا أنفسهم من جرّاء كفرهم، ومن جرّاء صدّهم عن سبيل الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ الهداية جاءتهم، وهذه الهداية هي هداية دلالة: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: من الآية 9]، يهدي النّاس جميعاً للّتي هي أقوم، فإذا أخذت بهداية الدّلالة وسرت بها فقد آمنت، وإن لم تأخذ يزيدك الله سبحانه وتعالى بعداً.

﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: هم من جرّاء خسرانهم لأنفسهم لا يؤمنون، وليس لأنّ الله سبحانه وتعالى كتب عليهم عدم الإيمان.

الآية رقم (10) - وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ

ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً بسيّدنا نوح عليه السَّلام: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ [هود]، وكانوا يستهزئون به ويضحكون منه عندما كان يصنع الفلك، وكذلك استهزؤوا بصالح وشعيب وهود وإبراهيم ويوسف وبكلّ الأنبياء عليهم السَّلام، لذلك يسلّي الله سبحانه وتعالى قلب النّبيّ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم ويقول: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾، لكن أريد أن أرى النّتيجة: ﴿فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾.

الآية رقم (21) - وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾: الظّلم ظلماتٌ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث القدسيّ فيما يرويه عن ربّه عزَّ وجلّ: «يا عبادي إنّي حرمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا»([1])، وأشدّ أنواع الظّلم أن يظلم الإنسان نفسه، بأن يقدّم لها شهوةً زائلةً ويحرمها من نعيمٍ مقيمٍ، وذلك عندما يرتكب الفاحشة، صحيحٌ أنّه يعتقد أنّه قد حصل على ما يريد، لكنّه بحصوله على هذا الأمر الزّائل والّذي ستزول معه الدّنيا أيضاً، سيجد الخسران يوم القيامة، إذاً هو ظلم نفسه؛ لذلك يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾، إنّه يفتري على الله سبحانه وتعالى الكذب، ويحرّم ما حلّل الله سبحانه وتعالى، ويحلّل ما حرّمه سبحانه وتعالى، ويكذّب بآيات الله عزَّ وجلّ وبصدق بلاغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبكلّ ما جاء في القرآن الكريم، وبكلّ الأوامر الّتي وردت ويشكّك بها.

﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: هذا أمرٌ إلهيٌّ لا يمكن للظّالم أن يفلح، الظّالم الّذي ظلم نفسه، والّذي يظلم غيره، قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم، الإمام العادل، والصّائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام وتفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ عزَّ وجلّ: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين»([2])، فاتّقوا دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله تبارك وتعالى حجابٌ.

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآدب، باب تحريم الظّلم، الحديث رقم (2577).
([2]) سنن التّرمذيّ: كتاب صفة الجنّة، باب صفة الجنّة ونعيمها، الحديث رقم (2526).

الآية رقم (11) - قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

يطلب المولى سبحانه وتعالى منّا الاعتبار، والمحاكمة العقليّة، والحجّة، والبرهان، والدّليل، فقال جلَّ جلاله: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ﴾: انظروا: أي تفكّروا.

﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾: لننظر إلى المكذّبين عبر كلّ التّاريخ كيف كانت عاقبتهم، ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، اقرؤوا كلّ التّاريخ، وانظروا وادرسوا واعقلوا واعلموا.

ولنتأمّل دّقّة الآية من النّاحية العلميّة أيضاً: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ﴾: فلو أنّها من عند غير الله سبحانه وتعالى لكانت: (سيروا على الأرض)؛ لأنّك تسير على الأرض، ولن يقول أحدٌ: سيروا في الأرض، لكنّ طبقة الغلاف الجويّ هي جزءٌ لا يتجزّأ من الأرض، تدور وتتحرّك معها، وأنت تتنّفس من خلالها، لذلك فأنت تسير في الأرض لا على الأرض؛ لأنّك لو تسير على الأرض فمعناه أنّك تسير فوق الغلاف الجوّيّ. والقرآن الكريم يأتي بها بكلّ دقّةٍ علميّةٍ، بحيث يستطيع العقل البشريّ استيعابها، وعندما يتطوّر العقل البشريّ يعلم بأنّ هذا كلام الله سبحانه وتعالى، كلام العليم الحكيم الخبير الرّحيم الرّؤوف التّوّاب الحكيم، الّذي لا يقول كلمةً إلّا وتكون هذه الكلمة دقيقة في العلم الّذي لم نصل إليه بعد، وسيأتي زمانٌ يصل فيه علماؤه إلى ما لم نصل إليه.

الآية رقم (22) - وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ

إذاً هناك يومٌ وهناك حشرٌ للجميع، عندما يقول سبحانه وتعالى: ﴿جَمِيعًا﴾، أي للكلّ دون استثناء.

﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾: طالما أنّكم أشركتم بالله فأين هم الشّركاء؟ فليقوموا وليدافعوا عنكم، أو يتحمّلوا عبء ما أشركتم به.

الآية رقم (12) - قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ

﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾: هذا أيضاً احتجاجٌ عليهم; والمعنى قل لهم يا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم لمن ما في السّماوات والأرض؟ أي إذا ثبت أنّ الله سبحانه وتعالى له ما في السّماوات والأرض، وأنّه خالق كلّ شيءٍ إمّا باعترافهم أو بقيام الحجّة عليهم، فالله عزَّ وجلّ قادرٌ على أن يعاجلهم بالعقاب، ويبعثهم بعد الموت، ولكنّه: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: أي وعد بها فضلاً منه وكرماً، فلذلك أمهل، فأخبر سبحانه وتعالى بأنه رحيمٌ بعباده لا يعجَل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتّوبة.

﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾: اللّام: لام القسم، والنّون: نون التّأكيد. أي ليمهلنّكم وليؤخرّن جمعكم. وقيل: المعنى ليجمعنّكم أي: في القبور إلى اليوم الّذي أنكرتموه. وقيل: (إلى) بمعنى: (في)، أي: ليجمعنّكم في يوم القيامة.

﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾: لا شكّ فيه.

﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: ابتداءٌ وخبرٌ، تقول: الّذي يكرمني فله درهمٌ، فالفاء تتضمّن معنى الشّرط والجزاء.

الآية رقم (13) - وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

﴿وَلَهُ﴾: الهاء تعود لله سبحانه وتعالى، اللّيل والنّهار هما ظرفا الزّمان.

﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ﴾: أي له سبحانه وتعالى السّاكن، وكذلك له جلَّ جلاله ما يتحرّك بالكون، فكلّ متحرّكٍ يؤول أمره إلى السّكون؛ لأنّه لا يستطيع أن يبقى متحرّكاً باستمرار، فالإنسان يتحرّك في النّهار ويسكن في اللّيل، فهو لا يعمل أثناء النّوم، وكذلك عقله لا يعمل أثناء النّوم إلّا لسبع ثوانٍ تقريباً، لكن عمليّاً جسده ساكنٌ، فالله سبحانه وتعالى له ما سكن في اللّيل والنّهار، وله ما تحّرك باللّيل والنّهار.

وقد يكون المراد من كلمة: ﴿سَكَنَ﴾: ما حلّ في اللّيل والنّهار، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: من الآية 35]، في اللّغة العربيّة: له ما سكن معناه: إمّا توقّف عن الحركة أو حلّ في المكان.

الآية رقم (14) - قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ

﴿أَغَيْرَ﴾: الهمزة هنا همزة إنكار، مثال: أتسبُّ أباك؟! فأنت تُنكر على هذا الإنسان أنّه يسبُّ أباه، فهذه الهمزة استنكارٌ وليست همزة استفهامٍ.

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾: استنكارٌ وتوبيخٌ ولومٌ، تستنكر أن يتّخذ النّاس وليّاً غير فاطر السّماوات والأرض.

﴿أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾: عندما تقول: وليي الله سبحانه وتعالى، فأنت تجعل أمرك بين يديّ الله جلّ وعلا، فهو سبحانه وتعالى لا يعتريه الأغيار، هو قويٌّ ويبقى قويّاً، وهو حيٌّ ويبقى حيّاً، وهو كريمٌ ويبقى كريماً، وهو قادرٌ ويبقى قادراً، فإن جعلت وليّاً غير الله سبحانه وتعالى قد يكون قويّاً وبعد ذلك يضعُف؛ لأنّه عالم أغيار، قد يكون غنيّاً وبعد ذلك يفتقر، قد يكون موجوداً وقد لا تجده في أيّ وقتٍ، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه بأنّه هو الوليّ، وجعل الإنسان يسلّم أمره له سبحانه وتعالى.

الآية رقم (4) - وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ

يبيّن المولى سبحانه وتعالى أنّه لا يُطالب الخلق بالإيمان إلّا بالدّليل، لذلك أرسل الآيات، ﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾: هناك آياتٌ كثيرةٌ، الآيات الدّالّة على صدق المبلِّغين عن الله سبحانه وتعالى، فإمّا أن تكون هذه الآيات معجزاتٍ كونيّة كآيات الشّمس والقمر والهواء والنّور واللّيل والنّهار وخلق الإنسان وما يجري مع الإنسان في هذه الحياة..، وإمّا أن تكون معجزاتٍ جاءت لتؤيّد الرّسل في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، مثل: معجزة نوحٍ عليه السَّلام، ومعجزة هود عليه السَّلام، ومعجزة صالح عليه السَّلام، ومعجزة إبراهيم عليه السَّلام بأن نجّاه من النّيران، ومعجزة موسى عليه السَّلام بشقّ البحر، ومعجزة عيسى عليه السَّلام بإحياء الموتى، ومعجزة نبيّنا محمّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وهي القرآن الكريم، تلك آيات القرآن الكريم فالمعجزات هي كلماتٌ؛ لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان]، أي بكلمات القرآن الكريم، ففي كلّ كلمةٍ معجزةٌ من المعجزات، ودليلٌ من الأدلّة، وكنّا قد تحدّثنا سابقاً عن خلق السّماوات والأرض وما يتعلّق بالنّور والظّلمات، كلّ هذه الأمور الّتي ترد في كتاب الله جلّ وعلا عن الخلق من طينٍ وعن الخلق من ترابٍ ومن ماءٍ.. إلخ.

الآية رقم (15) - قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

لا يستطيع أن يغيّر قدر الله إلّا هو جلَّ جلاله، والمعصوم صلَّى الله عليه وسلَّم يعلن أنّه يخاف الله عزَّ وجلّ، وقد علّق الخوف على شرطٍ هو عصيان الله سبحانه وتعالى، ولا يأتي ذلك من الرّسول المعصوم؛ لأنّه لا يعصي الله سبحانه وتعالى أبداً، ولكن ما دام لم يعصِ ربّه فهو لا يخاف لوجود ﴿إِنْ﴾ في قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، وهذا تعليمٌ لأمّة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم بأنّ سبب الخوف هو العصيان والتّمرّد على أوامر الله جلَّ جلاله.

الآية رقم (113) - قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ

فأجاب الحواريّون السّيد المسيح عليه السَّلام بقولهم:

أوّلاً: رزقٌ نريد أن نأكل منها؛ لأنّها مائدةٌ من السّماء، ثانياً: لنطمئن على الكيفيّة، إذاً هي تثبيتٌ لإيمانهم.

﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾: تكون معجزةً للجميع قد شهدنا عليها.

الآية رقم (114) - قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

دعا السّيّد المسيح عليه السَّلام الله جلَّ جلاله بقوله: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا﴾: استخدم عبارتين: (اللّهمّ) و(ربّنا)، هناك صفة الألوهيّة وصفة الرّبوبيّة، بصفة الألوهيّة قدّم الطّاعة، وصفة الألوهيّة تكون بالتّكليف الإيمانيّ، وأمّا صفة الرّبوبيّة، فالرّبّ: هو المتوليّ بالنّعم والعطاء.

﴿أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ﴾: بدّل السّيّد المسيح عليه السَّلام طلب الحواريّين، هم طلبوا من الزّاوية الماديّة: ﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين﴾، المعجزات خرق اقتدارٍ من مقتدرٍ، وخرقٌ لنواميس الكون، وليس سبق ابتكار، لكنّ السّيّد المسيح عليه السَّلام قال: ﴿أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ﴾، أي اجعلها آيةً معجزةً إيمانيّةً، وعيداً: العيد لحدثٍ عظيمٍ، إذاً أخذ النّاحية القيميّة، بعد ذلك فقال:

﴿وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِين﴾: والرّزق ليس فقط بالطّعام، لم يقل: نأكل منها، بل قدّم: ﴿عِيداً﴾؛ لأنّه ناحيةٌ قيميّةٌ، وقدّم: ﴿وَآيَةً مِّنكَ﴾؛ لأنّها معجزةٌ حتّى تكون عيداً لنا لأوّلنا وآخرنا عبر كلّ الزّمان والمكان، تكون هذه المائدة هي آيةً دالّةً معجزةً.

الآية رقم (115) - قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ

هنا استجاب الله سبحانه وتعالى لدعاء السّيّد المسيح عليه السَّلام.

﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِين﴾: لأنّك قد رأيت بعينيك المعجزة الدّالّة، فإن كفرت بعد ذلك أيّها الإنسان عند رؤيتك المعجزة سيكون العذاب مغلّظاً ومشدّداً.

طلب الحواريّون من السّيّد المسيح عليه السَّلام مائدةً، فبدّل السّيّد المسيح الطّلب بأن تكون آيةً وعيداً عبر كلّ زمانٍ دالّةً على وجود الله سبحانه وتعالى، وعندما قال الله سبحانه وتعالى للحواريّين: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾  قال لهم بعد نزول المائدة: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِين﴾ لذلك نرى في نهاية السّورة قال السّيّد المسيح: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾.

الآية رقم (105) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

معركةٌ مستمرّةٌ بين فريقين، فريق الهداية وفريق الضّلال، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، ويقول جلَّ جلاله: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران]، ويقول عزَّ وجلّ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر]، ويقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدّين النّصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم»([1])، يمكن أن يعتقد الإنسان أنّ المقصود من الآية الكريمة أنّه عليه الاهتمام بنفسه دون النّظر إلى مجتمعه، ولكنّ معنى الآية الكريمة ليس كذلك بدليل أنّ سيّدنا أبا بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه صعد المنبر وقال: يا أيّها النّاس، إنّكم تقرؤون هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾، وإنّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إنّ النّاس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقابٍ»([2])

الآية رقم (116-117) - وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ - مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

هذا ممّا يخاطب الله سبحانه وتعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السَّلام قائلاً له يوم القيامة: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ﴾ فيكون جواب سيّدنا عيسى عليه السَّلام: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ….﴾: إن كان صدر منّي هذا فقد علمتَه يا ربّ، فإنّه لا يخفى عليك شيءٌ، مَا قلته ولا أردته في نفسي، ولا أضمرته.

﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾: أي ما دعوتهم إلّا إلى الّذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه.

الآية رقم (106) - يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ

تعطي هذه الآية الكريمة الإنسان موضوعاً مهمّاً يتعلّق بالوصيّة، فعليه أن يدبّر أمر نفسه وهو مقبلٌ على حياته الآخرة، فأهمّ شيءٍ بموضوع الوصيّة إسقاط الدّيون، والّذي يوصي قبل الموت في غير ما يتعلّق بالميراث كما حدّد النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنّما يوصي اعتقاداً منه أنّه يجب عليه أن يترك هذه الدّنيا وقد فعل ما يستطيع من خيرٍ، وأن تكون هذه الوصيّة هي آخر ما قام به من عملٍ يرضي به وجه الله سبحانه وتعالى.

﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾: تأتي كلمة شهادة من مشهد، شهد الأمر: أي الّذي تشاهده، الدّين حقٌّ، والوصيّة هي تبرّعٌ، توصي بمالك الّذي حدّده النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث قال: «إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه، ألا لا وصيّة لوارث»([1])، يجب أن ننتبه لهذه النّقطة.

الآية رقم (118) - إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

انظر لأدب السّيّد المسيح عليه السَّلام في الطّلب من الله عزَّ وجلّ: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾،  يا ربّ، أنت الّذي خلقت، وهؤلاء عبادٌ من عبادك، فإن تعذّبهم فطلاقة القدرة والمشيئة لا نتدخّل بها، ﴿وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾، لم يقل: (الغفور الرّحيم)، وهذا يثبت دقّة الأداء القرآنيّ، فلو كان الإنسان هو من كتبه لكتب: (إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرّحيم)، لا يصحّ أن يقول السّيد المسيح: الغفور الرّحيم؛ لأنّه يصبح وكأنّه قد استند على مغفرة الله سبحانه وتعالى ورحمته ليغفر لهم، لكنّه استند على عزّة الله جلَّ جلاله وحكمته. العزيز: أي المستغني عن عبادة خلقه، الّذي لا يُغلب. والحكيم: الّذي يضع الشّيء في نصابه فأنت الّذي تعلم إن كانوا يستحقّون المغفرة أو لا، وهذا من دقّة القرآن الكريم.

الآية رقم (107) - فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ

﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾:  أي إن شُكّ على أنّهما كذبا.

﴿فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ﴾:  هذه قضيّة تحرّي عن العدل وعن الحقّ، أي إن أصبح هناك شكٌّ بأنّ شهادة الوصيّة غير صحيحةٍ فيُحضروا اثنين آخرين، فيحلفان: إنّ هؤلاء لكاذبون، ولم تكن الوصية كذلك.

﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾: هنا نستقصي الحقّ لإقامة العدل، هذا هو المقصود في الإسلام.