الآية رقم (13) - فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

﴿فَبِمَا نَقْضِهِم﴾: لا يوجد حرفٌ في كتاب الله سبحانه وتعالى إلّا وله دلالةٌ، فلو قال سبحانه وتعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم) لصحّت في اللّغة، لكن طالما أنّ الكلام قرآنيٌّ فهو الكمال والتّمام، فالمراد هنا: بأيّ نقضٍ من أعمالكم نقضتم؟ أي نقضتم آلاف المرّات وليس مرّةً واحدةً. فلو قال المولى سبحانه وتعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم) لكان نقضاً واحداً للميثاق، أمّا هنا فالمراد: بكثرة ما نقضتم ميثاقكم؛ لذلك انتبه لنقطةٍ مهمّةٍ في القرآن الكريم، وهي أنّ الحرف في كتاب الله سبحانه وتعالى يُعطي معنىً ونحن نعتقد أنّه حرفٌ زائدٌ، ولا يوجد شيءٌ زائدٌ في القرآن الكريم على الإطلاق، ونأخذ المثال الآتي: يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: من الآية 17]، وفي آيةٍ أخرى يقول عزَّ وجل: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشّورى]، والفارق وجود اللّام ﴿لَمِنْ﴾ ولا يوجد تكرار في القرآن؛ لأنّ المراد من الآية الأولى: واصبر على ما أصابك من موت حبيبٍ أو مرضٍ أو ما شابه، فليس هناك غريمٌ لك فيما يُصيبك، أمّا الآية الثّانية: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ﴾ توجد كلمة (غفر) أي يوجد غريمٌ، وهناك من آذاك، لذلك الصّبر هنا بحاجةٍ لتوكيد، فجاءت لام التّوكيد: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

الآية رقم (14) - وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ

﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ﴾:  إذاً قسمٌ منهم قالوا بألسنتهم: إنّهم نصارى، ولم يكن وقوفهم إلى جانب السّيّد المسيح عليه السَّلام ونصرتهم له هو مصداق الكلام للفعل، ونسوا حظّاً ممّا ذكّروا به ممّا نزل عليهم.

﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: ما الفارق بين العداوة والبغضاء؟ العداوة تكون نتيجة عداءٍ بين فريقين أو شخصين، أمّا البغضاء فقد تبغض إنساناً وهو لا يدري، فليس بالضّرورة أن يكون لها مقابل. فعندما تركوا المواثيق الّتي أُخذت عليهم ونسوا حظّاً ممّا ذكّروا به، أي خالفوا ما نزل إليهم وما جاء به المسيح عليه السَّلام، أوقع الله سبحانه وتعالى بينهم العداوة والبغضاء فصاروا فرقاً مختلفة.

﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾: وذلك يوم القيامة، يوم توضع الموازين وتنشر الصّحائف.

الآية رقم (15) - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ

﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا﴾: والمقصود هو النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾: اليهود أخفوا كثيراً من الأحكام، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيّن لهم ما كانوا يخفون من التّوراة مثل تحريم الرّبا والرّجم.. وغيرها من الأحكام.

 ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾: الكتاب المبين هو القرآن الكريم، ومبينٌ أي واضحٌ، فإذا كانت هناك ظلمةٌ وأردت توضيح وبيان الأمر تأتي بنورٍ لكي تبيّن وتوضّح، وهو ليس بنورٍ مادّيٍّ كالكهرباء، وإنّما هو نور القيم التي جاء بها القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى سمّى القرآن الكريم نوراً؛ لأنّه كتابٌ يبيّن وينير ظلمات النّفس وظلمات الأخلاق وظلمات القيم، وهذا النّور لا يمكن أن يكون مادّيّاً، وإنّما هو نورٌ معنويٌّ.

الآية رقم (16) - يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

الله سبحانه وتعالى يهدي بالقرآن الكريم من اتّبع رضوانه سبل السّلام ويخرجهم من الظّلمات إلى النّور، فنور القيم يتعلّق بالسّلام الدّاخليّ، والسّلام الدّاخليّ لا يعيشه الإنسان وهو محاطٌ بالغمّ والمصائب والابتلاءات، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة]، فالإنسان يرى الأب والأمّ والأخ والجار والصّديق ويعرف أنّهم سيموتون، لذلك يعيش في همّ داخليّ، وعندما يصيبه المرض يعتقد أنّه سيموت ويُلقى تحت التّراب، فيشعر بالغمّ، فهو دائماً يعيش في همّ المرض وفي همّ الرّزق، وإن كان ذا سلطانٍ فإنّه يعيش في همّ بقاء السّلطان، فحياته كلّها تدور ضمن دائرة الابتلاءات، ولا يستطيع أحدٌ أن يقول: أنا لن أموت، أو: لن أمرض، يقول سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد]، فكيف سيعيش الإنسان في حالة سلامٍ مع نفسه؟ وكيف سيعيش في نور المعرفة وفي نور القيم؟ والجواب: يجب عليه أن يعالج موضوع الهمّ من خلال القيم، فالقرآن الكريم قضى على الهمّ والغمّ، فمن يقول: إنّه مؤمنٌ بالله سبحانه وتعالى، عليه أن يأخذ بما علّمه سبحانه وتعالى حتّى يصل إلى الإيمان الحقيقيّ به جلَّ جلاله ويعلم أنّه لا يضرّ ولا ينفع، ولا يخفض ولا يرفع، ولا يصل ولا يقطع، ولا يحيي ولا يميت إلّا الله سبحانه وتعالى، ويعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ولو أنّ الأمّة اجتمعت على أن ينفعوه بشيءٍ لن ينفعوه إلّا بشيءٍ قد كتبه الله سبحانه وتعالى له، ولو اجتمعت على أن يضرّوه بشيءٍ لن يضروه إلّا بشيءٍ قد كتبه الله سبحانه وتعالى عليه، إذاً الله تبارك وتعالى أعطانا النّور والهداية من خلال الكتاب الكريم، وإذا لم يستطع الإنسان التّغلّب على الهمّ فلن يستطيع أن يعيش في سلامٍ مع ذاته، ومن ثمّ لن يعيش في سلامٍ مع الآخرين، وسيكون شرّه أكثر من خيره للغير، ونحن نقول: إنّ دعوة الإسلام هي دعوة خيرٍ، والإيمان يغلب الهمّ ويجعل يقينك بالله وحده جلّ وعلا.

الآية رقم (17) - لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

فالمسيح عيسى ابن مريم عليه السَّلام عبدٌ من عباد اللَّه سبحانه وتعالى، وخَلْقٌ من خلقه، ولو أراد الله سبحانه وتعالى ﴿أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ فمن ذا الّذي يمنعه منه؟ وجميع الـموجودات مِلْكُهُ وَخَلْقُهُ وهو القادر على ما يشاء جلّ وعلا، لا يُسأل عمّا يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته.

الآية رقم (18) - وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ

عندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ﴾ لا يعني هذا أنّ اليهود كلّهم أو النّصارى كلّهم قالوا هذا القول، بل جزءٌ منهم قال هذا، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى يقول على لسان الرّجل المؤمن من آل فرعون: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [غافر: من الآية 29]، ومن المعروف أنّه من غير الممكن أن يكون الملك لكلّ القوم، بل يكون لبعض القوم، إذاً بعض اليهود والنّصارى قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، والمولى سبحانه وتعالى يقول: لا أنتم ستدخلون في مشيئة المغفرة ككل البشر.

﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾: فالبشر معرّضون إمّا لنفحات المغفرة وتكفير السّيّئات، وإمّا لنفحات العذاب على الذّنوب، ولن يستطيع أحدٌ أبداً أن يخرج عن مشيئة الله سبحانه وتعالى.

﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾: وهنا تدلّ الآية على طلاقة مشيئته سبحانه وتعالى؛ لأنّه طالما يملك ما بين السّماوات والأرض ويملك المصير والمآل، فله تبارك وتعالى الملك الكامل وطلاقة المشيئة في أن يعذّب أو أن يغفر لكلّ البشر دون استثناء، فلا يمكن أن نقول: نحن أحباء الله سبحانه وتعالى ونحن كذا وكذا، كما قال اليهود وجعلوا من أنفسهم العنصر المميّز عن بقيّة الشّعوب، فقالوا: نحن شعب الله المختار، فكلّ البشر يخضعون إلى مشيئته جلّ وعلا، ويخضعون إلى العذاب والمغفرة منه تبارك وتعالى؛ لأنّه هو جلّ وعلا المالك والمتصرّف في السّماوات والأرض وما فيهما، وإليه المصير والمآل جلَّ جلاله.

الآية رقم (19) - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا﴾: الرّسول هنا هو سيّدنا محمد عليه الصّلاة والسّلام، والخطاب هنا لأهل الكتاب.

﴿عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ﴾: يعني على انقطاعٍ من الرّسل، وهو ما يُقارب ستّ مئة عام.

﴿مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ﴾: والبشارة تأتي للمستقبل، فالرّسول يبشّر بالجنّة، والجنّة تأتي لاحقاً بعد البعث والحساب، ونذيرٌ ينذر بعذاب النّار.

﴿فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: وكلّ شيءٍ يخضع لطلاقة قدرته عزَّ وجل؛ لأنّه هو الخالق؛ ولأنّ أمره بين الكاف والنّون، ﴿فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [غافر: من الآية 68].

الآية رقم (20) - وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ

﴿وَإِذْ قَالَ﴾: أي حين قال سيّدنا موسى عليه السَّلام: ﴿لِقَوْمِهِ﴾ أي لشعب بني إسرائيل: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾: ويكون شكر النّعمة بذكرها والامتثال لأمر المنعِم وعدم استخدام نعمه في معاصيه، أمّا أن تأخذ النّعمة وتعصي المنعِم فهذا جحودٌ منك، والله سبحانه وتعالى يعبّر عن النّعم المتعدّدة بكلمة نعمة.

﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾: أي كلّما جاءهم داءٌ أرسل لهم نبيّاً لمعالجتهم، فمن النّعم كثرة الأنبياء والرّسل على شعب بني إسرائيل منذ يعقوب عليه السَّلام وأبنائه إلى أن ختمهم الله سبحانه وتعالى بعيسى عليه السَّلام، ويقصد بالملوك داود وسليمان عليهما السّلام.

الآية رقم (21) - يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ

﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾:  أي المطهّرة.

﴿كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾: أي فرض عليكم أن تدخلوا هذه الأرض المقدسة، وهنا إرادة الدّخول إرادةٌ تشريعيّةٌ وليست إرادةً كونيّةً. ونستطيع أن نمثّل الإرادة التّشريعيّة بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: من الآية 97]، فهذه تشريعيّةٌ بدليل أنّ أحداثاً كثيرة تقع داخل الحرم، كحالات السّرقة، والمقصود هنا: عليكم أن تؤمِّنوا من يدخل إلى الحرم.

﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾: فإنّ المولى عزَّ وجل لو كتبها لهم لما كان لهم أن يرتدّوا على أدبارهم؛ لأنّه لا رادّ لمشيئته.

وهم خرجوا مع سيّدنا موسى عليه السَّلام الّذي طلب أن يدخل هذه الأرض، والله سبحانه وتعالى كتب عليهم تشريعيّاً أن يدخلوها، ولكنّهم رفضوا.

الآية رقم (22) - قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ

وكان الرّدّ أنّ فيها قوماً من الجبّارين الأقوياء، فرفضوا الدّخول حتّى يخرجوا منها، فهم يريدون أن يقطفوا الثّمار دون أيّ جهدٍ.

الآية رقم (23) - قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

قال رجلان من الّذين يخافون الله عزَّ وجل: إنّكم إن دخلتم عليهم الباب فستنتصرون بإذن الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن لأحدٍ أن يتوكّل على الله سبحانه وتعالى إلّا إذا كان مؤمناً به سبحانه وتعالى، والإيمان أن تعلم يقيناً أنّه: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد]، وتعلم أنّك إن لم تتّخذ الأسباب فإنّك قد تواكلت ولم تتوكّل، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اعقلها وتوكّل»([1]).

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب الزّهد والرّقائق، باب المؤمن أمره كلّه خير، الحديث رقم (2999).

الآية رقم (24) - قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ

وهنا إساءة الأدب مع الله عزَّ وجل عندما قالوا: اذهب أنت وربّك فقاتلا وعند انتصارك سندخل إليها.

الآية رقم (25) - قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

فهو لا يملك غير نفسه وأخيه، ويقول: يا ربّ افصل بيني وبين الفاسقين الخارجين عن طاعتك.

الآية رقم (26) - قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

هذا دليلٌ على أنّها لا تحقّ لهم أبداً، وأنّها محرّمةٌ عليهم، قال العلماء: إنّها محرّمةٌ عليهم تحريماً دائماً وليس فقط أربعين سنة، ويسيرون على غير طريق الهدى، وكان معهم موسى وهارون اللّذان ماتا وهم تائهون.

الآية رقم (12) - وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ

من هم بنو إسرائيل؟ هم بنو يعقوب عليه السَّلام، ويعقوب هو والد سيّدنا يوسف عليه السَّلام وقد آتاه الله سبحانه وتعالى اثني عشر سبطاً من الأسباط، والسّبط هو الحفيد. ويعقوب هو من نسل إسحاق عليه السَّلام وإسحاق أبوه إبراهيم عليه السَّلام.

الأسباط هم اثنا عشر سبطاً، وكلّ سبطٍ شكّل ذرّيّة كقبيلةٍ معيّنةٍ، لذلك عندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ أي ولكلّ سبطٍ نقيب، والنّقيب هو الّذي ينقّب عن الخفايا، ويقود العمل الإيمانيّ والدّينيّ الّذي لا يكتفي بظواهر الأمور، فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم اثني عشر نقيباً.

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾: هؤلاء النّقباء والأسباط قال لهم الله سبحانه وتعالى: إنّي معكم أنصركم وأرحمكم وأغفر لكم وأدخلكم الجنّة.

﴿لَئِنْ﴾ : اللّام للقسم، وإن: شرطيّة، أقسم الله سبحانه وتعالى واشترط أن يكون معهم في حال: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾.

الآية رقم (173) - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا

والضّدُّ يُظهِر حُسنَه الضّدُّ، الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وبالمقابل الّذين كفروا واستكبروا.

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾: الأجر على قدر العمل، لكنّه سبحانه وتعالى يزيدهم من فضله، والفضل فوق العدل، قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا يدخل أحدكم الجنّة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله منه برحمة وفضل»([1])، رحمة الله سبحانه وتعالى هي فضلٌ فوق العدل، فالعدل عن العمل والفضل من رحمة الله تبارك وتعالى. والإيمان يحتاج إلى ترجمة، أي إلى عملٍ صالحٍ، فالإيمان دون عملٍ صالحٍ لا يُعدّ إيماناً، قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الإيمان بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستّون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق»([2])، حتّى إماطة الأذى عن الطّريق هي شعبةٌ من شعب الإيمان، وقال عليه الصّلاة والسّلام: «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة»([3])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»([4])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم به»([5])، فعناصرُ الإيمان كثيرةٌ كما بيّن المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، وكلّها من خلال الأعمال الصّالحة، فلا إيمان بالقلب من دون أن يصدّقه العمل.

الآية رقم (174) - يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا

الخطاب الآن للبشريّة جمعاء، الرّسالات السّماويّة السّابقة كانت تأتي لمناطق وأقوامٍ منفصلةٍ، حيث لا يوجد طرق اتّصالٍ ولا مواصلاتٍ، فلا يعلم قومٌ عن قومٍ شيئاً، ينزل نبيٌّ هنا ونبيٌّ هناك، والأدواء متعدِّدةٌ لذلك كان الرّسل عليهم السَّلام يأتون بعلاجاتٍ متعدّدةٍ للأقوام حتّى أنزل الله سبحانه وتعالى رسالة الإسلام على النّبيّ محمّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم للنّاس جميعاً؛ لأنّ البشريّة قد اكتمل رُشدها، وبدأت بالتّطوّر العلميّ، فأصبح العالم كلّه كبقعةٍ واحدةٍ، وطرق المواصلات مؤمّنةٌ بينه، فكان الخطاب موجّهاً للنّاس جميعاً، وكأنّ الإسلام سبق العالم.

﴿قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ﴾: البرهان هو الإعجاز الدّالّ على صدق المبلّغ عن الله سبحانه وتعالى، فكلّ نبيٍّ جاء معه إعجازٌ دالٌّ على صدق بلاغه عن الله سبحانه وتعالى ، مثال: نوح عليه السَّلام كانت السّفينة هي المعجزة الّتي أنجت من ركب فيها وغرق كلّ من لم يركب فيها، صالح عليه السَّلام كانت معجزته النّاقة، إبراهيم عليه السَّلام لم تحرقه النّيران عندما أُلقِي فيها؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى أفقدها خاصّيتها، موسى عليه السَّلام من معجزاته العصا حيث كان يضرب بها الحجر فينفجر، وضرب بها البحر فانفلق، ليست القضيّة قضيّة عصى وإنّما هي قضيّة معجزةٍ، وهذا معنى برهان

الآية رقم (175) - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا

أي الّذين آمنوا وتمسّكوا واستمسكوا بهذا القرآن الكريم، بهذا النّور، بهذه الهداية، سيدخلون برحمات الله سبحانه وتعالى وعطائه وفضله سبحانه وتعالى، وسيزيدهم في الهداية، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمّد].

﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾: ويهديهم الصّراط المستقيم، هذا الصّراط الّذي يؤدّي إلى الجنّة بإذن الله تبارك وتعالى.

الآية رقم (176) - يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾: هي إرادة معرفة حكمٍ شرعيٍّ، وقد ورد في القرآن الكريم بطريقين:

1- يستفتونك كهذه الآية، أي يسألون عن حكمٍ شرعيٍّ.

2- وتأتي: يسألونك، وهي إمّا أن تأتي لمعرفة حكمٍ شرعيٍّ أو غير حكمٍ شرعيٍّ، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ [البقرة: من الآية 189]،  سألوه: ما بال الهلال يا محمّد يبدو صغيراً ثمّ يكبر ثمّ يعود صغيراً؟ فهذا ليس حكماً شرعيّاً.

لكن عندما يأتي السّؤال: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾ فهي إرادة معرفة حكمٍ شرعيٍّ، لذلك عندما يعطي الإنسان فتوى فإنّه يعطيها نيابةً عمّا جاء من أحكامٍ شرعيّةٍ، وليس هو من يعطي الحكم، وإنّما يبيّن الحكم الشّرعيّ.

﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾: أي يعطيكم العلم بالحكم الشرعيّ في الكلالة. والكلالة تعني من ليس له أبٌ -أي متوفّى- ولا ولدٌ، فجاءت كلمة الكلالة من الإكليل المحيط بالرأس، أي الأقارب المحيطين، فمن ليس له أصلٌ (أبٌ) ولا فرعٌ (ابنٌ)، فما هو الحكم بالنّسبة للمواريث إن كان له أقرباء؟

الآية رقم (1) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾:  قلنا: إنّ الله سبحانه وتعالى عندما يبدأ بالأمر التّكليفيّ يخاطب المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وهنا يُخاطب المؤمنين بالاسم الموصول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ﴾، ولم يقل: (يا أيّها المؤمنون)، وهناك فارقٌ كبير، فلو قال: (يا أيّها المؤمنون)، فهذا يعني أنّ الإيمان قد تمّ وانتهى، أمّا عندما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فهذا يُعطي معنى أنّ الإيمان عملٌ مستمرٌّ، ولا يمكن أن ينتهي، فهو ليس أمراً عابراً، ولكنّه يتجدّد حتّى يُنَفَّذ المطلوب، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النّساء]، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «الإيمان بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستّون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق»([1])، فإماطة الأذى عن الطّريق من الإيمان، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»([2])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم به»([3])، إذاً عناصر الإيمان هي عناصر فعل، فدائرة الإيمان ليست دائرة اعتقاديّة بلا عمل، بل لا بدّ للإيمان من عملٍ يصدِّقه، لذا فإنّ الإيمان ليس أمراً عابراً، ولكنّه يتجدّد حتّى تُنفَّذ كلّ التّكاليف الإلهيّة، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النّساء: من الآية 136]، أي استمرّوا في فعل الإيمان، وتحويل دائرة العقيدة من كلام إلى أفعال هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فالإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل.