الآية رقم (142) - إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً

يعتقد المنافقون أنّهم يخادعون الله سبحانه وتعالى، وهو خادعهم، هنا استخدم المشاكلة اللّفظيّة، لذلك لا نقول: إنّ الله سبحانه وتعالى خدّاع، لا يسمّى المولى سبحانه وتعالى إلّا بالأسماء الّتي سمّى بها نفسه، كما قال جلَّ جلاله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: من الآية 30]، فلا تقلْ: إنّ اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى الماكر أو المخادع، هذه باللّغة من جنس المشاكلة اللفظيّة، والمخادعة هي التّبييت بخفاءٍ مع كذبٍ؛ فالمنافقون يخادعون الله سبحانه وتعالى أي يبيّتون بالخفاء ويكذبون، والله سبحانه وتعالى خادعهم أي يبطل تبيّيتهم.

﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾؛ لأنّهم في الأصل لا يهمّهم إلّا الأشكال، أن يُقال عنهم: إنّهم من المسلمين، وهم ليسوا من المؤمنين، يقومون إلى الصّلاة كسالى؛ لأنّهم لا يفهمون معنى الصّلاة بأنّها صلةٌ مع الخالق، وأخلاقٌ مع الخلق، وقد كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عن الصّلاة: «يا بلال، أقم الصّلاة، أرحنا بها»([1])، أمّا هؤلاء فيقولون: أرحنا منها يا بلال.

الآية رقم (143) - مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

المنافقون مذبذبون؛ لأنّهم يميلون مثلما يميل الهوى معهم، فإذا كانت القوّة في هذا الطّرف فإنّهم يميلون إليه، وإن كانت في الطّرف الآخر يميلون إليه، إن كان المال في هذا الطّرف يذهبون إليه، وإن كان مع الآخر فيذهبون إليه، فهم كما قيل:

رأيتُ النّاسَ قَدْ مَالوا
ومَن لا عِنْدَهُ مالُ
رأيتُ النّاسَ قَدْ ذهَبوا
ومَن لا عِنْدَه ذهَبُ
رأيتُ النّاسَ مُنفضّة
              ومَن لا عِنْدَه فِضّة       

إلى مَن عِنْده مالُ
فعنه النّاسُ قَدْ مَالوا
إِلى مَن عِندَه ذَهَبُ
فعنه النَّاسُ قد ذَهَبُوا
إِلى مَن عِنْده فِضّة
فَعنهُ النَّاسُ مُنفضّة 

مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أين تكون الفضّة، أين يكون الذّهب، أين يكون المال، أين تكون القوّة، أين تكون العزّة كما يعتقدون فإنّهم يذهبون.

وكلمة ذبذب: من الذّباب الّذي يذبّ ثمّ يعود.

﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى هداهم فاختاروا العمى على الهدى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان]، وبيّن الله تعالى لنا الطّريق والهداية، وأرشدنا إلى الطّريق، لكن إن اخترت طريق الضّلال فإنّ الله سبحانه وتعالى يعينك عليه، وإن اخترت طريق الهداية فإنّ الله تبارك وتعالى يعينك عليه، وهذا هو المقصود بقول الله جلّ وعلا: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾؛ لأنّه هو اختار الضّلال فأضلّه الله تبارك وتعالى على علمٍ.

الآية رقم (144) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا

يقول الله سبحانه وتعالى لهم: لا تتّخذوا مشركي مكّة أولياء تطلبون الولاية منهم لاعتقادكم أنّ العزّة عندهم من دون المؤمنين.

﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾: سلطاناً: أي حجّةً واضحةً باتّخاذكم المشركين أولياء من دون المؤمنين، فتستوجبوا منه ما استوجبه أهلُ النّفاق الّذين وصف لكم صفتهم، وأخبركم بمصيرهم.

الآية رقم (145) - إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا

في الجنّة درجاتٌ، وللشّرك والنّفاق في النّار دركاتٌ، فالمنافقون في الدَّركِ الأسفل من جهنّم.

﴿وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾: لن تجد لهؤلاء المنافقين -يا محمّد- من الله سبحانه وتعالى إذا جعلهم في الدّرك الأسفل من النّار ناصراً ينصرهم منه، فينقذهم من عذابه، ويدفع عنهم أليمَ عقابه.

الآية رقم (146) - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا

حتّى لا يعتقد الإنسان بأنّ الأبواب قد أُغلقت، فتح الله سبحانه وتعالى باب التّوبة فقال جلّ وعلا: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، استثنى المولى سبحانه وتعالى الّذين تابوا، لكنّه بيّن علائم التّوبة، وهي الإصلاح، أن تصلح ما أفسدتَ، وأن تكون بقلبك خالصاً لله سبحانه وتعالى ؛ لأنّ الغايات من الأحداث هي الّتي تضفي على الجوارح الإقبال على الأحداث، فيجب أن يكون الإنسان معتصماً بالله سبحانه وتعالى، مخلصاً دينه لله سبحانه وتعالى، وإخلاص الدّين لله عزَّ وجلأن يبتعد عن الرّياء وعن النّفاق بكلّ جوانبه واتّجاهاته؛ لذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ هذا الأجر لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً في الدّنيا إن كانوا مؤمنين، وفي الآخرة سيكون لهم الجزاء العظيم، سيؤتيهم الأجر العظيم، وهو على قدر الـمُعطي، فدائماً العطاء ينسب إلى من يعطي، فإذا كان هذا العطاء من ربٍّ عظيمٍ كريمٍ، فيكون هذا العطاء وهذا الأجر عظيماً على قدر عظمة الـمُعطي جلَّ جلاله.

الآية رقم (147) - مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا

هنا فتح الله سبحانه وتعالى باب التّوبة؛ لأنّه لا يريد المعصيّة، ولا العصاة، ولا يريد أن يعذّب النّاس.

﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾: فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسيّ: «يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كلّ إنسانٍ مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إيّاها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه»([1])، فهي ابتلاءاتٌ للنّاس، وهي أعمالٌ، من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى شاكرٌ عليمٌ، وهو القائل: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: من الآية 7]، أي كلّما شكرتم كلّما زاد عطاؤه سبحانه وتعالى، وهنا قدّم الشّكر على الإيمان؛ لأنّ الشّكر يتعلّق بالنّعمة والإيمان يتعلّق بالمنعم، فالإنسان أوّلاً يرى النّعمة وبعد ذلك يؤمن بالمنعم، والله سبحانه وتعالى أرحم من كلّ البشر بالبشر؛ لأنّه خالقهم وربّهم، وما خلقهم من أجل أن يعذّبهم: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾، فالإنسان كلّما شكر كلّما زاد ما يتلقّاه من عطاء الله سبحانه وتعالى.

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب تحريم الظّلم، الحديث رقم (2577).

الآية رقم (130) - وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا

﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا﴾: هنا ترك المجال، فعندما تسدّ كلّ النّوافذ والأبواب ولا يمكن الإصلاح فيكون عندها التّسريح بإحسانٍ وهو الطّلاق، وهو أبغض الحلال عند الله سبحانه وتعالى.

﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ﴾: وسعة الله سبحانه وتعالى تسع النّاس جميعاً، فقد يتزوّج الرّجل بامرأةٍ أخرى، أو هي تتزوّج بزوجٍ غيره، وكذلك بالنّسبة لحالة الرّزق والعطاء الإلهيّ.

﴿وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾: يوسّع للنّاس ولا يضيّق، فلا تضيّقوا واسعاً، فالدّين دين رحمةٍ ودين سعةٍ يسع الخلق جميعاً.

الآية رقم (141) - الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً

﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾: هذه من صفات النّفاق.

﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ﴾: فإن كان لكم عطاءٌ من الله عزَّ وجلوقوّة ﴿قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾.

﴿وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ﴾: لاحظوا الفارق بين الكلمة المتعلّقة بالمؤمنين والكلمة المتعلّقة بالمعسكر الآخر الّذي هو معسكر الكفر، أمّا المؤمنين ففتحٌ، وأمّا الكافرين فنصيبٌ؛ لأنّه حتّى أهل الشّرك عندما ينتصرون يكون لهم جزءٌ، ولا بدّ من عودة الجولة والكرّة للحقّ، ولا بدّ للباطل أن يُزهق، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء].

﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: أي أنّنا كنّا معكم ونمنعكم من المؤمنين.

الآية رقم (131) - وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا

يكرّر المولى سبحانه وتعالى بأنّك أيّها الإنسان يجب أن تكون مطمئنّاً بأنّ لله وحده ما في السّماوات والأرض وما بينهما، وهو المتصرّف الوحيد في ملكه.

الآية رقم (132) - وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً

نلاحظ ملحظاً مهمّاً أنّه في هذه الآية والّتي سبقتها ذُكِرَ الأمر ثلاث مرّات، والقرآن الكريم لا يكرّر إلّا للتّرسيخ في الأذهان، لأسرارٍ متعدّدةٍ ومعانٍ متعدّدةٍ وتذييل الآيات يبيّن هذه المعاني، وللمرّة الثّالثة يطمئن الله تعالى الإنسان أنّه سبحانه وتعالى يضمن ويحفظ مقوّمات الحياة عندما يقول لك: ﴿وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ فلن تتمرّد الشّمس على أن تشرق، ولن يتمرّد الهواء على أن يهبّ، ولا الماء على أن ينزل، ولن تتمرّد الأرض على أن تنبت الزّرع، ولن تتمرّد كلّ مقوّمات حياة الإنسان عن أوامر الله سبحانه وتعالى، وله سبحانه وتعالى ما في السّماوات وما في الأرض.

﴿وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾: إنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وتوكّل بكلّ مقوّمات حياته -فاطمئن أيّها الإنسان- وهو سبحانه وتعالى قيّومٌ على خلقه، ووكيلٌ للإنسان الّذي يتوكّل عليه، فقد أمدّه وأعطاه من قبل أن يولد.

الآية رقم (133) - إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا

﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾: فالله سبحانه وتعالى رحيمٌ بالنّاس وبضعفهم، وهو الخالق، العليم بخلقه، وهو اللّطيف بهم، فلا تضيّقوا واسعاً فرحمته وسعت كلّ شيءٍ، ولو شاء لأذهَبَنا وأتى بآخرين، لكنّه سبحانه وتعالى يريد ويحبّ من العبد أن يكون توّاباً، كلّما أذنب عاد وتاب واستغفر من ذنبه.

﴿وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾: أي أنّ الإنسان عندما خلقه الله سبحانه وتعالى لم يتركه كما يقول بعضهم، فنم؛ لأنّه لا ينام، واسترح فإنّه سبحانه وتعالى هو الوكيل طالما أخذت بأوامره جلَّ جلاله.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: قام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاةٍ وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصّلاة: “اللّهمّ ارحمني ومحمّداً ولا ترحم معنا أحداً”، فلمّا سلّم النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال للأعرابي: «لقد حجّرت واسعاً»([1])، يريد رحمة الله سبحانه وتعالى، فرحمته سبحانه وتعالى هي لكلّ خلقه، وله مئة رحمةٍ أنزل منها رحمةً واحدةً بها يتراحم الخلق جميعاً، والطّيور والبهائم والحيوانات، وادّخر الله سبحانه وتعالى تسعاً وتسعين رحمةً للآخرة.

 


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الأدب، باب رحمة النّاس والبهائم، الحديث رقم (5664).

الآية رقم (134) - مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا

الثّواب: هو الجزاء على العمل، والله سبحانه وتعالى يقول لك: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾.

ثواب الدّنيا: ما يعطيه سبحانه وتعالى للإنسان من صحّةٍ ومالٍ وعطاءٍ ورزقٍ.

ثواب الآخرة: رضوان الله سبحانه وتعالى وجنّات النّعيم.

فمن كان يريد ثواب الدّنيا فليعمل عملاً صالحاً، فالله سبحانه وتعالى خلق أشياء تنفعل لك، وأشياء تنفعل بك، فمن الأشياء الّتي تنفعل لك: الشّمس والقمر والهواء واللّيل والنّهار والأرض والغيوم والمطر والحيوانات والنّبات وغيرها.. هذه الأشياء جعلها الله سبحانه وتعالى تنفعل لك أيّها الإنسان، وهي للمؤمن ولغير المؤمن، فلا يمكن للشّمس أن تطلع على المؤمنين وتقول: سأحجب نوري وضوئي عن الكافرين، والهواء لا يمكن أن يتنفس منه المؤمن ويحجبه الله سبحانه وتعالى عن غير المؤمن، والماء لا ينزل للمؤمن ويترك الكافر، والأرض لا تنبت للمؤمن وتترك الكافر.. فإذاً هناك أشياء تنفعل لك بإرادة الله سبحانه وتعالى، وهناك أشياء أخرى تنفعل بحركتك، وهذا هو مناط التّقدّم والنّهضة والحضارة والعطاء، فصحيحٌ أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الشّمس وهي تعطيك الضّوء والدّفء، لكن إذا تحرّكت، إذا درست، وإذا تعلّمت الفيزياء وتخصّصت، وبُنِيَت المعامل فيمكنك استخدامها كمصدرٍ لتوليد الطّاقة الكهربائيّة، إذاً هناك أشياء تنفعل بحركتك وأشياء تنفعل لك خلقها الله سبحانه وتعالى، وطلب من الإنسان أن يأخذ بالأسباب في هذه الحياة الدّنيا، فمن يأخذ بالأشياء الّتي تنفعل له ويتحرّك معها يعطيه المولى سبحانه وتعالى بغضّ النّظر إن كان مؤمناً أم غير مؤمنٍ. مثلاً: تقول: لماذا الدّول الغربيّة هي الدّول المتقدّمة وهم لا يؤمنون وهم…، لماذا تنفعل لهم الأشياء الّتي خلقها الله عزَّ وجل؟ تنفعل لهم من جرّاء حركتهم، فهذا من ثواب الدّنيا.

الآية رقم (124) - وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا

﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾:  لا يوجد تفرقة في الدّين بين الذّكر والأنثى، هناك تكاملٌ بين الرّجل والمرأة، والحقوق الّتي أعطاها الإسلام للمرأة لم تعط في كلّ الشّرائع لا الوضعيّة ولا الإنسانيّة ولا السّماويّة منذ أن نزل آدم وحواء إلى هذه اللّحظة.

﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾:  يجب أن يعمل الصّالحات وهو مؤمنٌ، وليس مشركاً؛ لأنّه ردّ الحكم على الله عزَّ وجل.

﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾:: هذه هي المعادلة الإيمانيّة، معادلة أهل الإيمان جميعاً، وهي قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾.

والنّقرة: هي الشّيء الصّغير جدّاً.

الآية رقم (135) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

دين الإسلام دينٌ قائمٌ على العدلِ، والقيامُ بالعدل هو أساس الإيمان؛ لأنّه من العدل أن تؤمن بالله سبحانه وتعالى أوّلاً، وقد أمر سبحانه وتعالى بالعدل، يقول جلّ وعلا: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النّساء]، فكلّ خصومةٍ وكلّ ضياعِ حقوقٍ يجب أن يكون العدل هو السّائد فيها حتّى لا تضيع الحقوق، وحتّى يحصلَ كلُّ إنسانٍ على حقّه ويقومَ بواجبه على خيرٍ وأتمّ وجهٍ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ يا من آمنتم بي، كونوا قوّامين بالقسط، ولم يقل: قائمين بالقسط، ما الفرق بين قوّام وقائم؟

قائمٌ بالقسط أي مرّةً واحدةً يقوم بالقسط أي بالعدل، أمّا القوّام فصيغة مبالغة؛ أي أنّ الإنسان المؤمن يجب أن يكون قائماً على العدل باستمرار، لذلك قال: قوّامٌ على العدل باستمرار، بكلّ شأنٍ من شؤونه، وفي كلّ أمرٍ من أموره.

الآية رقم (125) - وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً

الدّين الّذي يدين به الإنسان لله سبحانه وتعالى هو أن يستسلم له سبحانه وتعالى فيما أمر وفيما نهى، وأن يلتزم بأوامره سبحانه وتعالى، وإسلام الوجه لله سبحانه وتعالى هو أن يجعل الإنسان من نفسه سالمةً لله سبحانه وتعالى، لا تعرف لها ربّاً ولا معبوداً سواه.

﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ فلا يكفي الصّلاة والصّيام والقيام وأداء العبادات من دون أن تؤشّر إلى ذلك بالإحسان، والإحسان هو أن تعبد الله سبحانه وتعالى كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، والإحسان يكون في كلّ شيءٍ، الإحسان في خلق الله سبحانه وتعالى وقبل كلّ شيء: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النّساء: من الآية 36]، للوالدين والأقربين والأرحام والجيران والمجتمع والنّاس والإنس والطّير والحيوان والنّبات.. ولكلّ خلق الله سبحانه وتعالى، فذلك هو دين الإسلام، هو دين الإحسان، فهو يدعو إلى الإحسان في كلّ شيءٍ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصِّلت].

﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾:: الحنيف: هو المائل عن الشّرك؛ فالأمور كلّها في زمن سيّدنا إبراهيم عليه السلام كانت إشراكاً بالله سبحانه وتعالى وعبادةً للأصنام والأوثان. ملّة إبراهيم: جاء الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام، إسحق وإسماعيل، ومن إسحاق جاء يعقوب، ومن يعقوب جاء الأسباط ويوسف وبعدها الأنبياء موسى وعيسى وداود وسليمان وزكريّا ويحيى عليهم السلام، وإسماعيل أتى منه النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فجدّ الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

الآية رقم (136) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾: هذا أوّل إشكالٍ تحدّث عنه المستشرقون في كثيرٍ من كتبهم لعدم معرفتهم بأسرار اللّغة العربيّة؛ ولأنّ المستشرق أو القارئ للقرآن يعتقد عندما يقرأ القرآن أنّه يقرأ كلاماً بشريّاً فيحدث الإشكال، أمّا عندما يُنسب القول للقائل وهو الله سبحانه وتعالى فترى الأمر واضحاً، والله سبحانه وتعالى لا حدود لكماله، ولا حدود لكلماته: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف].

كيف يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ﴾؟ وهو يخاطبهم بـــ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾؟ مثلاً كقول: يا من تشرب اشرب، كيف؟ هذا في اللّغة البشريّة، أمّا هذا الكلام فكلامٌ إلهيٌّ، فما معنى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ﴾؟ نأتي إلى آيةٍ أخرى يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: من الآية 1]، المتّقي الأوّل على وجه الأرض هو النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمّ يقول له: ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾؟!

الآية رقم (126) - وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا

﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: يبيّن الله سبحانه وتعالى أنّ ملكيّة ما في السّماوات وما في الأرض لله سبحانه وتعالى وحده، وهو المتصرّف بملكه سبحانه وتعالى، فيطمئن بذلك خلقه؛ لأنّه المتصرّف بخلقه.

﴿وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾: بكلّ شيءٍ، أيّ شيءٍ الله سبحانه وتعالى لديه الإحاطة به بعلمه وقدرته، لذلك نتّكل على علم الله جلّ وعلا وقدرته.

الآية رقم (137) - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً

هؤلاء هم المنافقون؛ لأنّهم آمنوا في أوّل الأمر ثمّ كفروا بعد ذلك، آمنوا أي أظهروا الإيمان، ثمّ كفروا، وبعد ذلك ازدادوا كفراً؛ أي هم قصدوا الفتنة عندما قالوا: آمنوا في أوّل النّهار واكفروا آخره، هم أرادوا الفتنة، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: من الآية 191]، فلذلك هؤلاء: ﴿لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾ ألم يكن الله سبحانه وتعالى ليهديَهم؟! نعم لم يكن الله سبحانه وتعالى ليهديهم؛ لأنّهم آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ادّعوا بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا، هذا إيمان القول وليس إيمان العقيدة.

الآية رقم (127) - وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا

هناك جملتان تردان في كتاب الله سبحانه وتعالى:

– الأولى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾.

– والثّانية: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ﴾.

ما هو الفارق بينهما؟ يسألونك عن حكمٍ لم ينزل به شرعٌ من الله تبارك وتعالى، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: من الآية 222]،  فيأتي الجواب: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ﴾ [البقرة: من الآية 222]، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: من الآية 189]، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة].

أمّا ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ﴾ فهو السّؤال عن حكمٍ قد نزل وهو موجودٌ، ولكنّهم يريدون أن يستوضحوا عن هذا الحكم، ويعلموا عنه بالتّفصيل، فالفارق بين يسأل ويستفتي أنّ السّؤال هو عن أمرٍ لم يرد، أمّا الاستفتاء أو الفُتية تكون في بيانٍ لحكمٍ نازلٍ، لذلك عندما يقال: إنَّ أحدهم أفتى بأمرٍ، يكون قد بيّن حكم الله سبحانه وتعالى في قضيّةٍ ما، والحكم موجودٌ مُسبقاً.

﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء﴾: يسألون عن موضوع النّساء بشكلٍ عامٍّ.

﴿قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾: يبيّن ويوضّح لكم ويرشدكم فيهنّ.

الآية رقم (138) - بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

المنافق يُظهِر شيئاً، ويبطن غير الحقيقة وغير ما يظهر أمام النّاس، وله اتّجاهان ووجهان، وهو أشدّ إيذاءً وإيلاماً في المجتمع من العدوّ الظّاهر؛ لأنّ العدوّ الظّاهر ترى عداوته، أمّا المنافق فإنّه ذو وجهين، لذلكَ فهو حريٌّ عند الله سبحانه وتعالى ألّا يكون وجيهاً. وقد أفرد القرآن الكريم الكثير من الآيات حول داءٍ عضالٍ يصيب المجتمعات وهو النّفاق، فهو خطرٌ كامنٌ داخل المجتمعات الإنسانيّة، الّتي إمّا أن يكون فيها عدوٌّ أو صديقٌ أو منافقٌ، فالصّديق معروفٌ، والعدوّ عداوته ظاهرةٌ معروفةٌ يحتاط الإنسان منها، أمّا المنافق فهو الخطر الكامن داخل الجسد، والّذي يُبدي شيئاً ويخفي شيئاً آخر.

كلمة منافق جاءت من كلمة حيوانٍ صحراويّ اسمه نافقاء اليربوع، وهو حيوانٌ صحراويٌّ مخادعٌ يدخل من بابٍ ويخرج من بابٍ، ديدنه الخداع، والمنافق يخدع المجتمع، وقبل خداعه للمجتمع فهو يخدع نفسه، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾: البشارة تكون بالشّيء السّارّ، والإنذار يكون بالشّيء السّيّء، وعندما تبشّر فأنت إذاً تبشّر بخيرٍ، ولكنّ المولى سبحانه وتعالى استخدم هنا أسلوب التّهكّم والسّخريّة بهم؛ لأنّهم يعتقدون أنّهم يخادعون الله سبحانه وتعالى. كما تقول إذا جاءك إنسانٌ معروفٌ بالبخل: أهلاً بك يا حاتم الطّائي، فمن المعروف أنّه تهكّمٌ، وهنا يتهكّم الله سبحانه وتعالى بالمنافقين فيقول: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، أي أنّ العقاب سيكون أليماً في الآخرة على نفاقهم ومخادعتهم.