الآية رقم (47) - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا

﴿اللَّيْلَ﴾: يعني: الظّلمة لا الظّلّ، فالظّلمة هي الّتي منعتْ النّور، وإيّاك أن تظنّ أنّ الظّلمة ضدّ النّور، وتحاول أن تنسخ الظّلمة بنور من عندك، وهذه آفة الحضارة الآن أنْ جعلتَ اللّيل نهاراً، وقد تنبّه العلماء أخيراً إلى مدى ضرر الأشعة على صحّة الإنسان، وقد جاء في الحديث الشّريف قول رسول الله ﷺ: «أَطْفِئُوا الـمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ»([1])، فالشّعاع له عمل وقت حركتك، لكن ساعة نومك وراحتك ليس له مهمّة، بل هو ضارّ في هذا الوقت، والحقّ عزَّ وجلَّ يمتنُّ علينا باللّيل والنّهار، فيقول: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص]، فللّيل مهمّة، وللنّهار مهمّة يُوضِّحها هنا الحقّ عزَّ وجلَّ بقوله:

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾: أي: ساتراً، كما أنّ اللّباس يستر الجسم، والنّوم ردع ذاتيّ يقهر الكائن الحيّ، وليس ردعاً اختياريّاً، لذلك تلاحظ أنّك إنْ أردت أنْ تنامَ في غير وقت النّوم تتعب وترهق، أمّا إنْ أتاك النّوم فتسكن وتهدأ، ومن هنا قالوا: النّوم ضيف ثقيل إنْ طلبته أَعْنَتكَ، وإنْ طلبك أراحك، لذلك ساعة يطلبك النّوم تنام مِلْء جفونك، ولو على الحصى يغلبك النّوم فتنام، وكأنّ النّوم يقول لك: اهمد واسترح، فلم تَعُدْ صالحاً للحركة، أمّا مَنْ غالب هذه الطّبيعة فأخذ مثلاً حبوباً تساعده على السّهر، فإنْ سهر ليلة نام بعدها ليلتين، كما أنّ الّذي يغالب النّوم تأتي حركته مضطربة غير متوازنة، فعليك أن تخضع لهذه الطّبيعة الّتي خلقك الله عزَّ وجلَّ عليها وتستسلم للنّوم إنْ ألـحَّ عليك، ولا تكابر لتقوم في الصّباح نشيطاً وتستأنف حركة حياتك قويّاً صالحاً للعمل والعطاء.

﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾: السّبْت أي: القطْع، فمعنى: ﴿سُبَاتًا﴾، يعني: قاطعاً للحركة، لا انقطاعاً نهائيّاً، إنّما انقطاعاً مُسْتأنفاً لحركة أفضل، وبدن أقوى وأصحّ، فالّذي يقضي ليله ساهراً يقوم من نومه مُتْعباً مُضطرباً، على خلاف مَنْ جعل وقت النّوم للنّوم؛ لأنّ الخالق تعالى جعل نومك باللّيل على قَدْر ما تتحرّك بالنّهار، فإنْ أردتَ حركة مُتّزنة نشيطة وقويّة فنَمْ على مقدار هذه الحركة.

﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾: النّشور، مثل: الشُّكور: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان]؛ أي: شكر، وكذلك النّشور؛ أي: نشر، والنّشر يعني الانطلاق في الأرض بالحركة، كما في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾[الجمعة: من الآية 10].

([1]) صحيح البخاريّ: كِتَابُ الأَشْرِبَةِ، بَابُ تَغْطِيَةِ الإِنَاءِ، الحديث رقم (5624).

«وَهُوَ الَّذِي» مبتدأ واسم الموصول خبره والواو حرف استئناف والجملة مستأنفة

«جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً» ماض ومفعولاه وفاعله مستتر والجار والمجرور متعلقان بجعل والجملة صلة

«وَالنَّوْمَ سُباتاً» عطف على ما قبله

«وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً» ماض فاعله مستتر ومفعولاه والجملة معطوفة.