الآية رقم (80) - وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ

الحديث هنا عن داود عليه السّلام:

﴿وَعَلَّمْنَاهُ﴾: العِلْم نقل قضيّة مفيدة في الوجود من عالم بها إلى جاهل بها، والإنسان دائماً في حاجة إلى معرفة وتعلُّم؛ لأنّه خليفة الله عزَّ وجلّ في الأرض، ولن يستطيع أن يؤدّي هذه المهمّة إلّا من خلال العلم، ومن خلال الفَهْم والمعارف والثّقافات، فمثلاً تشكيل الحديد يحتاج إلى تسخين حتّى يصير لَيِّناً قابلاً للتّشكيل، الماء لا بُدَّ أنْ نغليَه لكذا وكذا.. إلخ، فكلّ شيء مرتبط بعلم، فقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ يصحّ أن يُقال: كان هذا التّعليم بالوحي، أو بالتّجربة، أو الإلقاء في الرَّوْع، وهذه الصّنعة لم تكن معروفة قبل داود عليه السّلام، واللَّبوس: أبلغ وأحكم من اللّباس، فاللّباس من مادّة (لبس) نفسها، وهي الملابس الّتي تستر عورة الإنسان، وتقيه الحرّ والبرد، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النّحل: من الآية 81]، أمّا في الحرب فنحتاج إلى حماية أكبر ووقاية أكثر من العاديّة الّتي نجدها في اللّباس، فنحتاج إلى ما يقينا البأس، ويحمينا من ضربات العدوّ في الأماكن القاتلة؛ لذلك اهتدى النّاس إلى صناعة الخوذة والدّرع لوقاية الأماكن الخطرة في الجسم البشريّ، وتتمثّل هذه في الرّأس والصّدر، ففي الرّأس المخّ، وفي الصّدر القلب، فإن سَلِمَتْ هذه الأعضاء فما دونها يمكن مداواته وجَبْره، فاللّبوس أبلغ وأكثر حماية من اللّباس؛ لأنّ مهمّته أبلغ من مهمّة اللّباس، وكانت قبل داود عليه السّلام مَلْساء يتزحلق السّيف عليها، فلمّا صنعها داود جعلها مُركَّبة من حلقات حتّى ينكسر عليها السّيف؛ لذلك قال سبحانه وتعالى بعدها:

﴿لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾: أي: تحميكم في حَرْبكم مع عدوّكم، وتمنعكم وتحوطكم.

فألهمنا داود عليه السّلام، فأخذ يُفكِّر ويبتكر، وكلّ تفكير في ارتقاء صَنْعة إنّما ينشأ من ملاحظة عيب في صَنْعة سابقة، فيحاول اللّاحق تلافي أخطاء السّابق، وهكذا حتّى نصلَ إلى شيء لا عَيْبَ فيه، أو على الأقلّ نتجنّب العيوب السّابقة.

﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾: تشكرون نعمة الله عزَّ وجلّ الّذي يرعاكم ويحفظم في المآزق والمواقف الصّعبة، واختار سبحانه وتعالى موقف البأس؛ أي: الحرب، أمام العدوّ؛ ليعطينا إشارة إلى ضرورة إعداد المؤمن للمواجهة، والأخذ بأسباب النّجاة إذا تمَّتْ المواجهة.

ثمّ ينتقل السّياق القرآنيّ من الكلام عن داود إلى ابنه سليمان 4، فيقول الحقّ سبحانه وتعالى:

«وَعَلَّمْناهُ» ماض وفاعله ومفعوله الأول والجملة معطوفة

«صَنْعَةَ» مفعول به ثان

«لَبُوسٍ» مضاف إليه

«لَكُمْ» متعلقان بمحذوف صفة لبوس

«لِتُحْصِنَكُمْ» مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل فاعله مستتر والكاف مفعول به وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر متعلقان بعلمناه

«مِنْ بَأْسِكُمْ» متعلقان بالفعل قبله

«فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ» الفاء استئنافية وهل حرف استفهام وأنتم مبتدأ وشاكرون خبر والجملة مستأنفة

{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} يعني الدُّروع.
{لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} أي من الحرب.