الآية رقم (26) - إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ

لماذا ضرب الله سبحانه وتعالى مثل البعوضة، ولـم يذكر الفيل وهو أكبر الحيوانات وأعظمها؟! وهم استصغروا البعوضة؛ لأنّ عقلهم البشريّ في ذلك الوقت لم يدرك أهميّة ضرب المثل بها، أمّا الصّحابة فقد كانوا يتلقّون القرآن كما يتلوه عليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويؤمنون به؛ لأنّه من عند الله عزَّ وجل أمّا أهل الكفر فقد كانوا يجادلون ويتساءلون عن غير فهم.

وكلّما تقدّم العلم صغرت الأشياء ودقّت المخترعات أكثر، فعندما اختُرعت السّاعة على سبيل المثال كانت ضخمة، وحين تطوّر العلم صغرت وصغرت؛ لأنّهم استطاعوا أن يضعوا أعقد الأجهزة في مساحة صغيرة.

والبعوضة فيها من الأجهزة الدّقيقة ما يعجز عنه أهل الأرض جميعاً من حيث الدّورة الدّمويّة، والإبرة الّتي تحقن وتجعل الدّم ينزف ثم تقوم بتحليل الدّم، وكيفيّة الجهاز التّناسليّ عندها، وكذلك الجهاز الهضميّ، فهي من أدقّ المخلوقات، ولذلك ضُرب المثل بها.

وإلى الآن يكتشف العلم اكتشافات هامّة تتعلّق بالبعوضة فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا  أي ما هو أقلّ وأدقّ منها، وليس أعلى منها.

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ؛ لأنّ المؤمن يعرف أنّ الله سبحانه وتعالى له حكمة في كلّ شيء.

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَوالفاسق هو الّذي ينفصل عن منهج الله ويتركه، نقول: فسقت الرّطبة، أي الثّمرة حين تنفصل عن قشرتها بسهولة، وكذلك الّذي يترك منهج الله هو فاسق.

﴿إِنَّ﴾: حرف مشبّه بالفعل.
﴿اللهَ﴾: لفظ الجلالة اسم “إنّ” منصوب بالفتحة.
﴿لَا﴾: نافية لا عمل لها.
﴿يَسْتَحْيِي﴾: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، منع من ظهورها الثقل، والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿ وجملة “لا يستحيي” في محلّ رفع خبر “إنّ”.
﴿أَنْ﴾: حرف مصدريّ ناصب.
﴿يَضْرِبَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة.
والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿ وجملة “يضرب” صلة “أن” المصدرية لا محلّ لها من الإعراب و”أن” وما بعدها بتأويل مصدر في محلّ جرّ بحرف جرّ مقدر.
والتقدير: لا يستحي من ضرب.
﴿مَثَلًا﴾: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
﴿مَا﴾: نكرة للإبهام مبنية على السكون في محلّ نصب صفة لِـ”مثلًا”.
﴿بَعُوضَةً﴾: بدل من “مثلًا” منصوب بالفتحة.
حالًا منصوبًا بالفتحة، وبعوضة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
﴿فَمَا﴾: الفاء حرف عطف.
ما: اسم موصول مبنيّ على السكون في محلّ نصب معطوف على “بعوضة”.
﴿فَوْقَهَا﴾: ظرف مكان منصوب بالفتحة، و”ها” ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة.
والظرف متعلِّق بصلة موصول تقديرها: فما هو كائن فوقها.
﴿ ويجوز أن تكون “ما” معطوفة على “ما” الأولى، والمعنى: فما زاد عليها في الصغر والكبر.
﴿فَأَمَّا﴾: الفاء حرف استئناف.
أمّا: حرف شرط وتفصيل.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول مبنيّ على الفتح في محلّ رفع مبتدأ.
﴿آمَنُوا﴾: فعل ماض مبنيّ على الضمّ لاتصاله بواو الجماعة.
و”الواو” ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
و”الألف”: فارقة.
﴿ وجملة “آمنوا” صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
﴿فَيَعْلَمُونَ﴾: الفاء واقعة في جواب “أمّا”.
يعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنَّه من الأفعال الخمسة.
و”الواو” ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
﴿ والجملة الفعلية “يعلمون” في محلّ رفع خبر للمبتدأ “الذين”.
﴿أَنَّهُ﴾: حرف مشبّه بالفعل.
و”الهاء”: ضمير متّصل مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب اسم “أن”.
﴿الْحَقُّ﴾: خبر “أنّ” مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
و”أنّ” وما بعدها بتأويل مصدر سدّ مسدّ مفعولي يعلمون”.
﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾: جارّ ومجرور متعلِّقان بصفة محذوفة من “الحق”، و”هم” ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ﴾: الواو: حرف عطف.
وما بعدها معطوف على “أما الذين آمنوا فيعلمون” ويعرب إعرابه.
﴿مَاذَا﴾: ما: اسم موصول مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
و”ذا”: اسم إشارة مبنيّ على السكون في محلّ رفع خبر “ما”، أو تكون “ذا” بمعنى “الذي”، و”ذا” وما بعدها متعلِّق بصلة الموصول.
﴿ ويجوز إعراب “ماذا”: اسم استفهام في محلّ نصب مفعول به للفعل “أراد”.
﴿أَرَادَ﴾: فعل ماض مبنيّ على الفتح.
﴿اللهُ﴾: لفظ الجلالة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والتقدير: ما الذي أراد الله.
﴿بِهَذَا﴾: الباء حرف جرّ.
هذا: اسم إشارة مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بالباء، والجارّ والمجرور متعلِّقان بـ”أراد”.
﴿مَثَلًا﴾: تمييز منصوب بالفتحة.
﴿يُضِلُّ﴾: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿بِهِ﴾: جارّ ومجرور متعلِّقان بـ”يضل”.
﴿كَثِيرًا﴾: مفعول مطلق منصوب بالفتحة، أو مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو الأصوب.
﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾: معطوفة بالواو على “يضل به كثيرا”، وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل “يهدي” الضمة المقدرة على الياء للثقل.
﴿وَمَا﴾: الواو حرف عطف.
و”ما”: نافية لا عمل لها ولا محلّ لها.
﴿يُضِلُّ بِهِ﴾: تقدَّم إعرابها.
﴿إلَّا﴾: حرف حصر.
﴿الْفَاسِقِينَ﴾: مفعول به منصوب بالياء؛ لأنَّه جمع مذكر سالم.

لا يَسْتَحْيِي: لا يترك ضرب المثل.

والحياء: تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب عليه ويذم، فإذا ورد الحياء في حق الله تعالى، فليس المراد منه ذلك

الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته، بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته.

أَنْ يَضْرِبَ: يجعل مَثَلًا المثل في اللغة: الشبيه والنظير، وضرب المثل في الكلام: أن يذكر لحال ما يناسبها، فيظهر من حسنها أو

قبحها ما كان خفيا.

بَعُوضَةً: الناموسة المعروفة.

فَما فَوْقَها: ما زاد عليها أو كان أكبر منها،أي لا يترك بيانه لما فيه من الحكم.

الْحَقُّ: هو الشيء الذي يحقّ ويجب ثبوته، ولا يجد العقل سبيلاً لإنكاره.

الفسق لغة: الخروج، يقال: فسقت الرطبة عن قشرها: إذا خرجت.