الآية رقم (36) - وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ

﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا﴾: إنّ ما تجزم به وتدلّل عليه، هو علم يقينٍ، أمّا ما لا تستطيع التّدليل عليه فليس علم يقينٍ، بل هو تقليدٌ، أمّا من يقول شيئاً وهو جازمٌ به، وهو غير واقعٍ، فذلك هو الجهل، إذا فالقضيّة المجزوم بها هي واقعةٌ وعليها دليلٌ علميٌّ، على عكس الجهل الّذي هو قضيّةٌ مجزومٌ بها وليس عليها دليلٌ، أمّا الظّنّ فهو تساوي نسبتين في الإيجاب والسّلب، بحيث لا تستطيع أن تجزم بأيٍّ منهما؛ لأنّه إن رجحت كفّةٌ، كانت قضيّةً مرجوحةً، والقضيّة المرجوحة هي شكٌّ أو ظنٌّ أو وهمٌ، وقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا﴾ يبيّن لنا أنّ الّذين كانوا يعارضون رسول الله : فعلوا ذلك إمّا عناداً مع علمهم بصدق ما يبلّغ عنهم، وإمّا أنّهم يعاندون عن غير علمٍ مصداقاً لقوله جل جلاله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ {يونس}، والّذين اتّبعوا الظّنّ، إنّما اتّبعوا ما لا يُغني من الحقّ شيئاً، لذلك يبيّن الله سبحانه وتعالى أنّه عليمٌ بخفايا نفوسهم، ويعلم إن كان إنكارهم بالإيمان نابعاً من عنادٍ، أو من العجز عن استيعاب قضيّة الإيمان فقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾

«وَما»: الواو استئنافية وما نافية.

«يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ»: مضارع وفاعله والهاء مضاف إليه والجملة مستأنفة.

«إِلَّا»: أداة حصر.

«ظَنًّا»: مفعول به.

«إِنَّ الظَّنَّ»: إن واسمها.

«لا»: نافية.

«يُغْنِي»: مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل مستتر والجملة خبر.

«مِنَ الْحَقِّ»: متعلقان بمحذوف حال.

«شَيْئاً»: مفعول به.

«إِنَّ اللَّهَ»: إن ولفظ الجلالة اسمها.

«عَلِيمٌ»: خبر والجملة مستأنفة.

«بِما»: اسم الموصول في محل جر بالباء ومتعلقان بعليم.

«يَفْعَلُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة.

وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ: في عبادة الأصنام، والمراد بالأكثر الجميع، أو الذي عنده تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد.

إِلَّا ظَنًّا: وهو تقليد الآباء بالاعتماد على خيالات فارغة وقياسات فاسدة، كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة.

إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً: أي لا يفيد الظن فيما يطلب فيه العلم والاعتقاد الحق. شَيْئاً من الإغناء.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ: فيجازيهم عليه.